طرح اسم أول طبيبة في تاريخ المملكة، قد يكون صعبًا إلى حد ما الحديث عن أوائل النساء اللاتي امتلكن الطموح والجرأة والإقدام لخوض غمار مجال علمي صعب؛ عـُرف تقليديا في المجتمع السعودي القديم بأنه حكر على الرجال وهو مجال الطب.

وتأتي صعوبة معرفة من هي السيدة الأولى في هذا المجال بشكل عام؛ إلى أن الطب مجموعة من التخصصات، وبالتالي تتعدد أسماء أوائل النساء السعوديات الطبيبات كلن بحسب تخصصاتهن.

فأول طبيبة سعودية في أمراض النساء والولادة؛ هي الدكتورة صديقة كمال، وأول طبيبة سعودية تخصصت في طب الأطفال؛ هي الدكتورة آمال بدر الدين، وأول طبيبة تخصصت في جراحة الأوعية الدموية؛ هي الدكتورة نورة رشاد، وأول طبيبة سعودية في مجال الطب النووي؛ هي الدكتورة الراحلة نائلة فاران، وأول طبيبة سعودية تخصصت في طب الأسنان والفكين؛ هي الدكتورة فاطمة آل نصرالله، وكذلك أول سعودية تخصصت في الطب الشرعي؛ هي الدكتورة منار الحارثي، وأول سعودية تخصصت في جراحة كسور العظام والجماجم؛ هي الدكتورة سامية ميمني، والدكتورة نوال جمل الليل، التي تعتبر أول فتاة سعودية تحصل على بكالوريوس الطب.

نوال جمل الليل
ولدت ونشأت في حارة الشبيكة بمكة المكرمة، وكان والدها يعمل مطوفا للحجاج الآسيويين. وهي لئن أكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة في مكة، فإن دراستها الثانوية كانت في القاهرة التي انتقلت إليها مع عائلتها. وقبل أن تتخرج من الثانوية العامة كانت فكرة دراسة الطب ودخول التاريخ كأول طبيبة سعودية قد اختمرت في رأسها، بدليل أنها في سن الـ17 بدأت في جمع المعلومات عن كليات طبية مخصصة للنساء إلى أن استقر رأيها على الدراسة في باكستان.

بعد ست سنوات من الدراسة والاجتهاد والتغلب على عوائق شتى تخرجت جمل الليل، حاملة درجة البكالوريوس في الطب. وبينما هي تستعد للعودة إلى مصر للانضمام إلى عائلتها فإذا بمكالمة هاتفية تأتيها من الملحق الثقافي في السفارة السعودية بكراتشي الأستاذ إبراهيم القدهي المحمد يطلب فيها أن تقابله لأمر مهم.

لم يكن هذا الأمر المهم سوى إبلاغها بأن الملك فيصل قد اختارها لتكون مشرفة على الطالبات السعوديات اللواتي سوف يتم ابتعاثهن على نفقة الدولة لدراسة الطب في باكستان. وفي هذا السياق تقول الدكتورة نوال إنها رفضت العرض في بادئ الأمر لأنها كانت تريد السفر إلى بريطانيا لإكمال تعليمها العالي، ” لكن مع إصرارهم بأن أكون المشرفة على الطالبات وافقت حينها، لرغبة الملك فيصل في ابتعاث الفتيات، حيث كان معظم الفتيات إما تعلمن خارج المملكة أو تخرجن من مدارس خاصة ” .

طلب منها وزير المعارف السعودي آنذاك الشيخ ” حسن بن عبدالله آل الشيخ ” أن تعد خطة لمعالجة جميع الأمور التي قد تواجه المبتعثات وذلك من وحي خبرتها وما واجهته شخصيا من مصاعب. فقدمت توصيات بأن تخضع المبتعاث لسنة تحضيرية يتعلمن خلالها بعض العلوم التطبيقية واللغتين الإنجليزية والباكستانية، وأن يتم توظيف مترجمين يرافقونهن، وطباخين يعدون لهن الوجبات العربية، علاوة على تهيئة السكن والمواصلات. كما تضمنت توصياتها فتح مكتب مؤثث في مدينة لاهور للرد على جميع استفسارات المبتعثات ومساعدتهن في الحالات الطارئة.

خبرنا الدكتورة نوال أنها بدأت بعدة مبتعثات، لكن بعد مرور ثلاث سنوات، وهي على وشك ترك العمل للعودة إلى مكة المكرمة، كانت تحت إدارتها 60 طالبة.

بعد عودتها إلى مكة قدمت أوراقها إلى وزارة الصحة وتم تعيينها في مستشفى النساء والولادة، حيث تمت مضايقتها من قبل الأطباء الذكور، رغم اجتهادها والتزامها بالتعاليم ومواظبتها على مواعيد عملها، بل قالت ما مفاده إنه عند تقديم أي تظلم أو شكوى لإدارة المستشفى كانوا يخيرونها ما بين قبول الحال أو الاستقالة بحجة أنها طبيبة ليست لديها شهادة تخصص تمنحها الحرية في أداء العمل.

كانت نتيجة ما سبق أن الدكتورة نوال لم تتحمل التمييز والمضايقات بحقها فقدمت استقالتها ولجأت إلى وزارة التعليم العالي باحثة عن وظيفة لديها، فوضعت على رأس قسم الإدارة الطبية في جامعة أم القرى، لكنها لم تشعر بالراحة في هذه الوظيفة كما قالت لأن ” عملي جراحة وليس صرف أدوية فقط، إضافة إلى أن إدارة الجامعة لم تكن متعاونة في تزويدنا بالأجهزة الطبية اللازمة ” . وهكذا عملت الدكتورة نوال في تلك الوظيفة الجامعية مضطرة لمدة ثماني سنوات إلى أن وجدت فرصة للعودة إلى وزارة الصحة طبيبة بمستشفى الولادة والأطفال بمكة، ثم تقاعدت في عام 2000.

صدّيقة كمال
الدكتورة صديقة كمال، اسم لامع في تاريخ الطب النسائي بالسعودية، بل تتنافس مع الدكتورة نوال جمل الليل في لقب «أول طبيبة سعودية تلتحق بالعمل في وزارة الصحة». والمفارقة أن كلتيهما من منطقة مكة المكرمة ومن خريجات باكستان، بل إن كلتيهما تخرجتا في سن مبكرة متقاربة.

تنحدر من أسرة جداوية عـُرفت بانخراط أفرادها في الطب، ابتداء من جدها الذي كان متخصصا في مداوة الناس بالطب الشعبي، ووالدها الذي كان طبيبا عاما، ووالدتها التي كانت صيدلانية، وانتهاء بإخوتها الذين درسوا ومارسوا الطب أيضا.

يمكن القول إن نشأتها ضمن هكذا أسرة كانت ذات تأثير واضح عليها لجهة الطريق الذي سلكته بعد تخرجها من الثانوية العامة. إذ اختارت باكستان مكانا لدراسة طب الأسنان، فتخرجت وهي في سن الـ21.

في 1968 كانت صديقة قد اكتسبت خبرة معتبرة في معالجة حالات التوليد، فاستقر بها الحال في مستشفى الولادة ”  طبيب عام ” ، وكانت تنتدب أثناء هذه الفترة من حياتها للعمل في مستوصفات الحكومة الطبية بجدة مثل مستوصفي ” النزلة ” و ” الهنداوية ” .

عملت في وزارة الصحة السعودية لمدة 11 عاما ابتعثت خلالها إلى أيرلندا للتخصص في أمراض النساء والولادة، وأنها بعد تغير صفتها من طبيب عام إلى طبيب اختصاصي في أمراض النساء والولادة قررت فتح عيادة طبية خاصة بها في جدة، خصوصا أنها كانت آنذاك قد اكتسبت خبرة عملية معطوفة على سمعة جيدة لدى نساء سعوديات كثر ممن كن يثقن بها وبقدراتها، بدليل قدومهن من مناطق بعيدة للاستشفاء والعلاج على يدها.

راحت بالتزامن مع عملها اليومي في عيادتها تحلم وتعد وتؤسس منذ العام 1976 لمشروع كبير هو الأول من نوعه في المملكة والعالم، معتمدة على خبرتها الطويلة في المستشفيات والمستوصفات الحكومية، وما رأته فيها من تكدس لنساء بلدها بالمئات والآلاف طلبا للعلاج على يد طبيبة بدلا من طبيب.

كانت فكرة مشروعها، هي بناء مستشفى نسائي متكامل يضم أقساما متنوعة، وتقدم خدمات طبية أساسية وأخرى مساندة، وتدار بالكامل من قبل النساء سواء في مجال العلاج والتمريض والعناية أو في مجال الإدارة والمحاسبة والاستقبال وخدمات النظافة والرعاية.

درست صديقة مشروعها بدقة من كافة الجوانب المادية والبشرية والتسهيلات الخدمية المساندة والضوابط الشرعية، ولما تيقنت من جدواه الاقتصادية بدأت بتنفيذه. وهكذا اكتمل المشروع وتم افتتاحه رسميا في مطلع 1983 لينمو بعد ذلك بخطى متصاعدة.

آمال بدر الدين

ولدت الدكتورة آمال بدر الدين في مكة لعائلة كان ربها يعمل مطوفا للحجاج، الأمر الذي جعله شخصية منفتحة ومتسامحة وتهوى القراءة والاطلاع والاختلاط بمختلف الجنسيات دون حساسية. أما والدتها التي تزوجها الأب في سن صغيرة فقد تأثرت بزوجها كثيرا لجهة التسامح والانفتاح، وهذا انعكس بدوره على ابنتهما آمال التي كانت ضمن سبع فتيات مكاويات صغيرات تقدمن لامتحان أول شهادة ابتدائية للبنات تم تنظيمه في مكة المكرمة في منتصف الخمسينات تقريبا.

نجحت آمال في الامتحان ونالت شهادتها الابتدائية، ومن حسن حظها أن إخوتها كانوا في طريقهم آنذاك إلى القاهرة للدراسة فسافرت معهم لإكمال تعليمها المتوسط والثانوي هناك. في القاهرة، التي كانت تعيش أزهى عصورها وقت وصول آمال إليها في الستينات، لم تكن الحياة سهلة لفتاة يتيمة الأب، عديمة التجربة لجهة العيش خارج وطنها، لكنها بالعزيمة والإصرار على خوض غمار الحياة وتحديات المعيشة تمكنت من إنهاء مراحل تعليمها ما قبل الجامعي.

اعتاد والدها أن يختار لكل مولود يأتيه، ليس الاسم فقط، وإنما المهنة المستقبلية أيضا. وتضيف أن نصيبها كان مهنة الطب. وتنفيذا لأمنية والدها قررت أن تلتحق بالجامعة لدراسة الطب. فكانت سنتها الجامعية الأولى في كلية طب الأزهر، التي انتقلت منها في سنتها الجامعية الثانية إلى جامعة القاهرة. أما سنتها الجامعية الثالثة وما بعدها فقد درستها في العاصمة النمساوية فيينا حيث كان يدرس أخوها، وكان رحيلها عن القاهرة قبيل اندلاع حرب حزيران 1967.

في فيينا كان عليها أن تتعلم اللاتينية والألمانية قبل أن تشرع في مواصلة دراسة الطب، فقبلت التحدي، وفيها أيضا كانت الطالبة السعودية الوحيدة بين 100 طالب سعودي، وبالتالي كان عليها أن تكون أختا لهم، تعد لهم الموائد في الأعياد والمناسبات الخاصة كي تشعرهم بأجواء الأسرة.

ثم كان عليها العودة إلى الوطن لخدمته مع بداية السبعينات. في تلك الفترة لم يكن في الرياض إلا ” مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي ” و ” مستشفى الشميسي ” ، فطلب منها مدير المستشفى الأول أن تعيد سنة كاملة من التدريب، قبل أن يوظفها براتب شهري قدره 2000 ريال فقط.

بعد مشوارها في العمل الأكاديمي انتقلت الدكتورة آمال إلى قسم الأطفال بمستشفى الشميسي بناء على رغبتها من أجل أن تتخصص في طب الأطفال. وهناك عملت وانخرطت مع أول مجموعة دراسية ساعية لنيل دبلوم طب الأطفال في السعودية.

آمنت د. آمال بأن الطب ليس مجرد كشف ووصفة دواء، وإنما هو الوصول إلى قلب المريض ونيل ثقته من خلال الجلوس مع المرضى من الأطفال وأمهاتهم وبث الوعي والتثقيف الصحي فيهم. غير أنها شعرت أن اتباع مثل هذا الأسلوب مع كل مريض على حدة يتطلب وقتا طويلا، فيما قائمة المرضى طويلة.

وأسست شركة إنتاج خاصة لإنتاج برامج التثقيف الصحي. ومن خلال هذه الشركة دخلت تاريخ وطنها في أكتوبر 2008 كأول امرأة سعودية ترشح نفسها لعضوية مجلس إدارة غرفة تجارة الرياض.