الموت بالنسبة للإنسان هو زوال الحياة وتوقف النمو والنشاطات الحيوية مثل التنفس والأكل والشرب والحركة والتفكير والمشاعر كما يعرف أيضا بخروج الروح من الجسد ليصبح الجسد ميتا وتبدأ الروح مرحلة الحياة الأبدية التي لا نعلمها، كما قال الله تعالى في سورة الإسراء ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ” (الآية 85).

والحقيقة أن النوم موت والوفاة موت، فالنائم متوفي وميت موت أصغر تكون يقظته في الدنيا ليكمل أجله، والميت نائم وميت موت أكبر تكون بعثته وصحوته يوم القيامة للحساب والجزاء كما قال الله تعالى في سورة الزمر” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” (الآية 42).

والموت كأس لابد لكل إنسان أن يشربه في وقت محدد من الله وغير معلوم لأحد غيره وهو ألم للأحياء عند موت أحد من الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء لأنه يشعرهم بمرارة الفقدان الحقيقة وألم الفراق والعيش على الذكرى التي قد تخفف من مصيبة الموت.

أنواع الموت في القرآن :- ذكر الله عز وجل أصناف مختلفة من الموت في القرآن الكريم منها:

1- موت الأنفس :- كل نفس مهما طال بها العمر سوف يدركها الموت وتنتهي حياتها الدنيوية كما قال الله تعالى في سورة آل عمران ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ” (الآية 185).

2- موت الأمة :- وكما يموت الأفراد تموت الأمم ككيان وقوة ووجود على الأرض بالفناء والزوال وهي سنة إلهية في الكون كما فنيت سبأ وعاد وثمود وكندة والفرس والروم والدولة الأموية والعباسية والعثمانية واندثرت حضارات بشرية كثيرة أكدها الله في قوله تعالى في سورة الأعراف “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ” (الآية 34).

3- موت (فناء) العالم :- كل ما خلقه الله في الكون من كواكب ومجرات ونجوم وجبال وجن وإنس وغيرها من مخلوقات الأرض سيفنى يوما ما ولا يبقى سوى وجهه الكريم كما قال الله تعالى في سورة الرحمن ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ” (الآية 26-27) وقد فصلت كثير من الآيات القرآنية النهاية المروعة للعالم وتساقط النظام الكوني العتيد بكافة محتوياته.

أهمية الموت :- كثير من الناس ينظرون للموت على أنه نهاية الحياة ولكن الحقيقة هي أن الموت بداية الحياة الحقيقة للمسلمين، حيث جعل الله الحياة الدنيا مرحلة عمل واختبار وإعداد للحياة الآخرة وجعل لكل مسلم فرصة واحدة للاستعداد ليوم البعث والحساب إما ثواب وإما عقاب بقدر الحسنات والسيئات التي أكتسبها المرء في الحياة الدنيا.

مراحل الموت :- هناك مراحل مهمة في الموت يمر بها الإنسان نلخصها في النقاط الآتية :

أولا: مرحلة سكرات الموت :- تختلف سكرات الموت عند المؤمن عن الكافر حيث تكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة لحسناته كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام عن روح المؤمن ” فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء ” أي تخرج بسهولة ويسر، وأما الكافر فتخرج روحه بصعوبة كما قال عليه الصلاة والسلام ” فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود -الكثير الشعب- من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب “، ولسكرات الموت مواصفات تظهر على المحتضر مثل ضعف القوة وانقطاع الصوت وثقل القلب وصعوبة التنفس وبرود الجسم وقد تظهر بعض علامات الفزع والخوف وسكون في الحركة وتغير في اللون.

ثانيا: بشارة الملائكة للمسلم المحتضر قبل الموت :- قبل قبض الروح يأتي ملك الموت مع معاونيه من الملائكة عند حلول الأجل، فيخرج المعاونون الروح إلى الحلقوم ثم يتولى ملك الموت قبضها وإخراجها من الجسد، فإن كان مؤمنا تقوم الملائكة بتبشيره ويقول لها ملك الموت ” أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ” كما قال الله تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ” (فصلت 30)، وأما الكافر فتأتيه ملائكة سود الوجوه تبشره بالعذاب والغضب والسخط من الله، كما قال تعالى ” وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ” (الأنعام-الآية 93)، وقال الكعبي أن عدد ملائكة الرحمة سبعة وعدد ملائكة العذاب سبعة يرافقون ملك الموت.

ثالثا: مرحلة قبض الروح :- كما ذكرنا سابقا أن الملائكة يخرجون الروح للحلقوم ويقوم ملك الموت بقبضها، فإذا كانت مسلمة دفعها لملائكة الرحمة فتوضع في أكفان من الجنة لفلاح صاحبها، وإن كانت كافرة والعياذ بالله دفعها لملائكة العذاب وتوضع في أكفان من النار لفساد صاحبها والعياذ بالله.

رابعا: صعود الروح إلى السماء :- تقوم ملائكة الرحمة بتصعيد روح المسلم للسماء وتستقبلها ملائكة في السماء السابعة وتكتب في عليين ثم تعاد للأرض، أما روح الكافر فكما أخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله ” فيأخذَها فإذا أخذها لم يدعوها في يدِه طرفةَ عينٍ حتَّى يجعلونها في تلك المسوحِ ويخرجُ منها كأنتنِ جيفةٍ وُجدتْ على وجه الأرضِ ، فيصعدون بها فلا يمرونَ على ملإٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا : ما هذه الروحُ الخبيث ؟ فيقولُون: فلانُ ابنُ فلانٍ بأقبحِ أسمائِه التي كان يسمَّى بها في الدنيا حتَّى ينتهَى بها إلى سماءِ الدنيا فيُستفتحُ له فلا يفتحُ له ” (المحدث الألباني – صحيح الترغيب).

وأختم بأن ذكر الموت له فوائد عظيمة على الإنسان ومنها الزهد في الدنيا الفانية وترك لذاتها والحرص على العمل الصالح والإحسان إلى الناس وحسن الخلق والتواضع ومحاسبة النفس والتوبة الصادقة والبعد عن المعاصي وأداء الحقوق لأصحابها ولين القلوب القاسية وصلاح الحال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعد الموت نهاية سعيدة بإذن الله لكل مسلم وبداية شقاء وعناء لكل كافر، وكما قال بعض العلماء: “من أكثر من ذكر الموت أكرمه الله تعالى بثلاث: التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي ذكر الموت أبتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا، والتكاسل في العبادة “.