ما أجمل عطلة الأسبوع ويزيد غلاها عندما تكون بعد عمل كئيب ممل، قبل (30) عاماً وربما تزيد التقيت بصديقي الحبيب أبا شادي وهو من أقاربي بعد صلاة عصر يوم الأربعاء ونحن آنذاك في الرياض وقال: أنا وثلّة من الأقارب عازمون على الذهاب لمحافظة الأحساء ونرغب بانضمامك لنا لزيارة أقارب لنا والتعلل معهم خلال عطلة الأسبوع، تحمست لمرافقتهم إلا أنني متوجس من العودة أخاف أن نتأخر وأنا عندي دوام من الساعة الرابعة مساء الجمعة، أخذت أفكر بالأمر ملياً (أرافقهم ما أرافقهم)؛ حسمت الأمر متوكلاً على الله رغم يقيني أن التأخير حاصل لا محالة فالديار بعيدة والوقت ضيق جداً، إلا أن حماسي طغى على العواقب إن كانت هناك عواقب.

كانت رحلة جميلة وزادها جمالاً طاقم الرحلة، وقضينا عطلة الأسبوع مستمتعين أيما استمتاع مع أقاربنا، كنا مدعويين عند أحد أقاربنا بعد صلاة الجمعة وأصرّ أحد أقاربنا أن نتناول فنجاناً من القهوة والشاهي عنده بعد صلاة العصر، من هذه اللحظة أدركت أنه ليس لدينا من الوقت ما يكفي لوصولي لمقر عملي قبل مغرب يوم الجمعة، كانت رغبتي أن نعود بعد وجبة الغداء وأنا في نفس الوقت لم أخبرهم بموعد دوامي حتى لا أشغلهم، أثناء دعوته أدعي بيني وبين نفسي ” يا رب عساهم يرفضون الدعوة ” بعد إلحاح شديد رضخوا للدعوة وهذا الذي كنت أخشاه.

احتسينا القهوة عند قريبنا بعد العصر وودعناه في وقت منتصف ما بين العصر والمغرب قاصدين الرياض على سيارة الخلوق أبا عبدالرزاق- رحمه الله- ومنذ بداية الرحلة والأخ موسى ماسك دفة القيادة، وفي نفس الوقت سائق محترف كان طريقنا يمر بين رمال شاهقة، أراد أحدنا أن يقضي الحاجة فكانت فرصة للأخ الفاضل موسى أن يحرف مسار السيارة إلى (طعس) مجاور لطريقنا وكعادته موسى يحب المرتفعات الرملية، سيارتنا عبارة عن داتسون غمارتين دفع خلفي فقط يعني غير مناسبة للكثبان الرملية، اختار موسى (طعس) متعرّج الارتفاع، فبدأنا الصعود وكانت الرمال شبه قاسية بسبب الرياح التي تصطدم بها مباشرة ووصلنا أعلى (الطعس)، وجميع من شاهدنا من المسافرين العابرين للطريق لوّح بيده مع تعليق (البوري) قاطعين الشك باليقين أننا سكارى أو مجانين؛ فكيف لسيارة دفع خلفي أن تتسلق (طعس) شاهق..!!

كنا منذ بادئ الأمر نتوسل الأخ موسى أن يستعيذ من ابليس ويجنّبنا تلك المغامرة الخطيرة، إلا أنه أصم أذنيه عن توسلاتنا وضرب بها عرض الحائط، أدركنا أنه ليس أمامنا إلا أن نرفع راية الاستسلام أمام رغبات موسى الطائشة، ونتقبل نتائج الكارثة بصدر رحب حتى لا نُحبط، وصلنا أعلى نقطة في(الطعس) فكانت الأرض مستوية في الأعلى وفي الوسط منخفض وغالباً المنخفضات في أعالي (الطعوس) عبارة عن (ربّاضات)، تعالت صيحاتنا يا موسى أبعد عن المنخفض؛ أبعد؛أبعد إلا أن موسى ضرب بنا وسط المنخفض وما أن دخلنا المنخفض فكأنما تحته عشيرة من عفاريت الجن وسحبت السيارة ودفنت رُبعها بالرمال وأصبحت كما يقال من (الصدام للصدام) في بطن الأرض، تعالت ضحكاتنا مع نظراتنا لبعض في حالة ذهول، الآن أدركت أنّ أقدار الله غيرت خطتي التي رسمتها لنفسي قبل الجزم على السفر، إذن علي أن أتقبّل المفاجئة بصدر رحب.

هي مغامرة ممتعة وكلنا متقبلينها لولا أنني الوحيد الذي سأدفع ثمن التأخير أما بقية الزملاء الكرام ليس هناك ما يقلقهم، نزلنا من سيارتنا بصعوبة بسبب نزول الأبواب للرمل، بدأت تعاتبني نفسي خلسة كيف(تتخارج) من مدرّبك حماد العجمي يوم السبت فرديت عليها مباشرةً أنتِ التي حرّضتيني في بداية الأمر إذن تحملي النتائج، فصرفت ذهني وأشغلت نفسي في المأزق الذي وقعنا فيه حتى أستمتع بالمغامرة مثل رفاقي، كلٌ منا أدلى بدلوه حول طريقة إخراج سيارتنا حتى تضاربت الأفكار، حاول موسى لما له من خبرة لا يستهان بها بشتى الوسائل لإخراج السيارة إلا أن التربة لا تساعد فقد أصبحت العجلات تدور في الهواء، بين الفينة والأخرى ننظر جهة الطريق و للجهات الأخرى لعلنا نشاهد من أصحاب السيارات ذات الدفع الرباعي ويسخره الله لنا لمساعدتنا.

آنذاك سيارات الدفع الرباعي قليلة ليست مثل اليوم، سيارتنا كونها في منخفض أعلى(الطعس) لا يظهر منها للمارة إلا (التندة) ولذلك لن تلفت الانتباه، أكثر ما يقلقني هو أن يسدل الليلُ ظلامه علينا ونحن في هذا المأزق وحينها ليس بوسعنا أن نفعل شيئاً إلا بعد شروق يوم غدٍ وهذا الشيء ربما يتسبب بطردي من الوظيفة كوني في المراحل الأولى من التدريب، قلّ توهّج الشمس إيذاناً واستعداداً للغوص في أفق الغروب، بالنسبة لي اضمحل الاستمتاع وحلّ محله استمتاع كاذب متوجس، أما رافقي ما زالوا في لهوهم العبثي ضاحكون.

 

للقصة المملة بقية..