ذهب أحد الرفاق خلف (الطعس) فصاح بأعلى صوته أبشركم وجدت خشبتين طويلتين، ووضعناهن تحت العجلتين الخلفية فبدأت تتحرك السيارة فكررنا الطريقة حتى خرجت السيارة بعد جهد مُضني، لوّحت الشمس باحمرارها استعداداً للغوص في الأفق البعيد‘ فتنفسنا الصعداء حال خروج سيارتنا وبكل حال أنا أكثرهم فرحاً فبخروجنا من هذا المأزق فهو أمانٌ وظيفي لمستقبلي، ركبنا سيارتنا فرحين مستبشرين وعند وصولنا الطريق المعبد لفت انتباه موسى طريقاً رملياً يوازي الطريق المعبد إلا أنه يمر بمرتفعات رملية عالية الخطورة، فقال المشاغب موسى: سوف أسلكه فصحنا جميعاً تعوذ من الشيطان لا نريد تكرار مأساتنا السابقة وامسك الإسفلت وسر بنا أمامنا أسبوع عمليّ شاق، أصر موسى أن يسلك هذا الطريق الرملي غير آبهٍ بتوسلاتنا له، دعس على دواسة البنزين وأطلق العنان لسيارتنا التي هي غير مؤهلة للطرق الوعرة، ضرب الحبيب الطريق وفي المنتصف توقفت سيارتنا في المنتصف لا حيلة لها ولا قوة، ولو يعلم صانعها باستخدامنا السيء لها لشتمنا بأقبح الألفاظ.

تعالت ضحكاتنا الممزوجة بالغضب وأخذنا نلوم أنفسنا لو أبعدنا الأخ موسى عن دفة القيادة بعد ظهورنا من (التغريزة) الأولى ولكن كما يقول المثل الشعبي الشهير(لا فات الفوت ما ينفع الصوت)، بدأنا بالحفر عن العجلات ونساعد السيارة بالدفع إلى الأمام قدر المستطاع وبدأت تمشي ببطء نظراً للكثافة الرملية، كانت هناك وصلة رملية ويتخللها طلوع تبعد عنا تقريباً (20) متراً وهي لا تتجاوز(6) امتاراً وهي عقبة لا يستهان بها إن تجاوزناها فما بعدها سهل بإذن الله، أصبحنا كخلية نخل نزيح الرمل عن العجلات ونساعد السيارة بالدفع بأيدينا وبدأت الزحف ببطء، ما زلنا في عتمة الغروب وقد لاح لنا الليل القاتم بظلامه يزحف إلينا من الخلف ونحن نتوسل إلى الله بأن يهيئ لنا من يساعدنا قبل عتمة الليل وحينها لن ترانا إلا دواب الأرض.

أطلت علينا سيارة غمارة داتسون وعلى متنها رجلين ملامحهما تشير إلى أنهما من البادية الرّحل، شمّرا عن ساعديهما وقاما بمساعدتنا بهمة وعزيمة تدل على أنهما أحرار وذا شهامة، أثناء عملنا الدؤوب قال أحد الرجلين الذَينِ أحلاّ علينا: وهو يوجه تعليماته لسائق سيارتنا (بحّر قدام) ومعنى كلمة(بحّر) أي انظر أمامك وهي من اللهجات المحلية عند قبائل كثيرة إلا إنها على وشك الانقراض، أو ربما أنها انقرضت في وقتنا الحاضر، أحد الرفاق أراد المزاح فقام بتقليده (بحّر، بحّر) وعلى الفور انسحبا وتركانا فنادينا عليهما نستطلع الأمر إلا أنهما لم يتفوها بكلمة واحدة.

أبدينا اعتذارنا لهما إن كان حدث خطأ ما بحقهما إلا أنهما لم يُفصحا عن أي أسباب، ركبا سيارتهما وغادرا ونحن ما زلنا بقبضة الرمال، كنا واقفين خلف سيارتنا مندهشين وبدأنا نتساءل؛ هل نحن فعلاً أخطأنا بحق الرجلين الشهمين إلتفتنا ببعض وكلنا بدأنا نرمق الأخ موسى بنظرات معناها أنت السبب..!! انصرف أبا عبدالرزاق- رحمه الله – وقال: ليس لدينا وقتاً لجلد الذات علينا أن نبذل ما بوسعنا قبل أن يجلب لنا الليل القاتم التعب ويحدّ من نشاطنا، بدأنا وبكامل طاقتنا، فينا الذي يمهد الطريق لعجلات السيارة، وفينا من هو خلف الصدام الخلفي ويدفع بكلتا يديه ليساعد السيارة على السير، ورغم المعاناة إلا أننا نتغلب عليها بالمزح والفكاهة، وفي كل خطوة تخطوها سيارتنا نتأوه كلها منك يا موسى.

بفضل الله أخرجنا سيارتنا بعد أن لفّنا الليل بظلمته القاتمة لا نرى فيها إلا النجوم تلألأ في السماء، ودويّ ضحكاتنا بعد تنفّسنا للصعداء، رمينا أنفسنا على الأرض ممدين أرجلنا وأيادينا من شدة التعب وكأنما نحن أعجاز نخل خاوية من الحياة، رغم التعب إلا أن نفسي الأمّارة بالسوء ألحت عليّ أن ألقي نظرة على تلك الأجساد المتناثرة على الأرض وأتأمل حالي وحال الرفقاء الكرام؛ ما أن نصل الرياض سيتهافتون على فرشهم الوثيرة وسيغطّون بنومٍ عميق، أما أنا كان الله في عوني سوف أذهب لمقر عملي وأنا منهك جسدياً ونفسياً فهي حقاً ليلة محفوفة بالمخاطر، وفي وجل من مخاطر اليوم التالي.

للقصة المملة بقية..