كم أنتم محظوظين يا مَن لا تلتفتون للماضي، ولم تسمحوا له العبث بساحة ذاكرتكم الممتلئة بذكريات الحياة حلوها ومرّها، أخشى أن أحسدكم يوماً ما وأنا لا أشعر، أنتم تتمتعون بقدرة عجيبة على النسيان، ونسف الماضي خلف ظهوركم غير آبهين به، نظرتكم للماضي ما هو إلا انصرام أيام، أو قطعة متاع انتهت صلاحيتها وتم رميها بسلّة المهملات، أما أنا فقد ابتليت بالذكرى ما أن اختلي بنفسي إلا وأجدها رابضة في مفاصل رأسي تعبث به دون كلل أو ملل ودون أدنى مراعاة للجانب الإنساني؛ قبحها الله من ذكرى، كل شيءٍ أذكره حتى التفاصيل الدقيقة تظهر لي مثل الشمس.

تمرّ الساعات وأنا متلبّساً زمن طفولتي التي سلبتها مني(المراجل) التي صنعتها ظروف الحياة، حينها طفل على وظيفة شابٌ مطور له (2 تيربو) لا تقهره الصعاب ويتحمل أصعب ظروف الطقس والعمل، غالباً لا ألتقي أقراني إلا في المساء وليس هناك وقتاً للمشاجرة واللعب إلا ما بين صلاة المغرب والعشاء، ولن تصمد أجسامنا المرهقة بعد صلاة العشاء كثيراً فسيرغمنا تعب ذلك اليوم للخلود للنوم؛ هكذا هي ظروف الحياة تسيّر الناس حسب طقوسها.

رغم المشقة إلا أن الحياة حلوة آنذاك، الكل يعتمد على نفسه فليست هناك فوضى وانحراف عن الفطرة مثل اليوم؛ كادحين نهاراً وقاطعين للحركة ليلاً مستسلمين للنوم للحصول على الراحة، والكل على نمط واحد فلا فرق بين صغير وكبير، ولا بين ذكر وأنثى، الكل مشاركٌ في عمارة الأرض حسب إمكانياته.

حاولت أن أتخلى عن اللحظات التي أراها عبر شريط الذكريات ولكن عجزت، حاولت أن أقنع نفسي بأنها ما هي إلا لحظات وانتهت إلى الأبد، ما زلت أجاهد نفسي لتغيير مسارها للحاضر والمستقبل بدلاً من الماضي ولكنها تعرف مكامن ضعفي ومن ثم تستدرجني للماضي وقد زينته بريشتها الفنية الساحرة.

يا رب ترزقني بخمسة عشر مليوناً فإني على قناعة تامة أن ذاكرتي لن تنسى الماضي برمّته إلا بعد حصولي على هذا المبلغ، فهذا المبلغ كفيل بإذن الله بطي صفحة الماضي حلوه ومرّه للأبد، يا رب اجعل بيني وبين أطيافي القديمة حاجزاً لن أستطيع له نقباً.

ربما يقول قائل: أنت طمّاع، تطلب خمسة عشر مليوناً مرة واحدة، وأنا أقول: فضل الله واسع إذا طلبت أطلب طلباً (يدسّم) شاربي.