إن انشغال المرء بعيوبه والاهتمام بإصلاحها من أفضل وأسرع الطرق للبعد عن الغيبة والنميمة وأذى الناس، حيث يقول الحسن البصري -رحمه الله- “إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت كان شغلك في خاصة نفسك وأحب العباد إلى الله من كان هكذا”.

ويقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: ” يُبْصِرُ أحدُكم القذَى في عينِ أخيهِ ويَنْسَى الْجِذْعَ في عينِهِ ” (رواه أبو هريره-والمحدث الألباني) ومعنى القذى: ما يقع في العين والماء والشراب من نحو تراب أو وسخ، ومعنى الجذع: الخشبة العالية الكبيرة أو جذع النخلة.

فائدة انشغال الانسان بعيوب نفسه :- إذا كان العبد من هذا النوع فسوف يكون بإذن الله محبوبا لدى الناس وترتاح له النفوس وتأنس بقربه ويجزيه الله بحسن عمله ويستر له عوراته ويكف ألسنة الناس عنه ويملأ صحيفة حسناته يوم القيامة.

أما المتتبع لعيوب الناس وانشغاله بها :- فسوف يكون بغيضا فاقدا لثقة الناس فيه مكروه التعامل ولا يسلم من أذاهم ومضايقتهم، ويكون جزاؤه من جنس العمل في الدنيا والآخرة، هذا بالإضافة إلى أنه المفلس الذي حدث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله لأصحابه:” أتدرون ما المفلس؟، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار” (رواه مسلم).

آثار الانشغال بعيوب الناس على المجتمع :- هي من العادات السيئة والخصال الرذيلة وهي طريق سريع للغيبة والنميمة وآفة من آفات اللسان والعياذ بالله وتؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء والنفاق والفساد بين أفراد المجتمع وتساهم في نشر معايب المسلمين وزلاتهم وانتقاص لكرامتهم الانسانية وانتهاك لحقوقهم المعنوية التي تسبب توترات وأحقاد تمزق المجتمع وتساهم في تفكك الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد.

التوبة من تتبع عيوب الناس والانشغال بها :- لقد حذر الإسلام من هذه الصفة السيئة ونظرا لأننا بشر وخير الخطائين التوابون، فقد أكرمنا الله بهذا الدين الذي يعطى الفرصة للتوبة من الذنوب وحثنا على ضرورة التوبة والإنابة من تتبع عورات الناس بالتحلل وطلب العفو والمسامحة ممن تتبعنا عيوبهم، وإلا التوبة فيما بيننا وبين الله عز وجل بالاستغفار لهم وعدم بغضهم أو تحقيرهم أو الحط من قدرهم كما في قوله تعالى “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”(آل عمران-135).

طرق إصلاح النفس والبعد عن تتبع عيوب الناس :- حيث أن هناك عدة طرق نختار لكم الأهم منها وهي:
* تقوية الصلة بالله باجتناب المحرمات وفعل الطاعات والتذكر أن لكل لفظ رقيب عتيد.
* محاسبة النفس وتذكيرها بعيوبها لإشغالها عن عيوب الناس والبعد الغيبة والنميمة.
* الدعاء إلى الله بالصلاح وانشغال النفس بعيوبها عن عيوب الناس وترك الأقوال والأفعال السيئة.
* التفرغ لعيوب النفس وإصلاحها وتزكيتها كما قال الله تعالى ” قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ” (الشمس-9).
* تجنب مجالس الغيبة والنميمة وذكر عيوب الناس فيها، ومصاحبة الأخيار والصالحين.
* تعويد النفس على ذكر الله وقراءة القرآن وملازمة الاستغفار وقلة الكلام وقول المفيد منه.
* التفكير الدائم في الإصلاح بالخواطر والأحلام التي تتحول لذاكرة ثابتة في العقل ثم إرادة ثم تنفيذ.
* التعود على صيام التطوع مثل صيام الإثنين والخميس والأيام البيض فهو يساعد على قلة الكلام.
* الاقتداء بسنة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام والسلف الصالح في طيب الكلام.

سيرة السلف الصالح في انشغالهم بعيوبهم :-
لقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم جميعا يشغلون أنفسهم بعيوبهم عن عيوب الناس من باب نظرتهم لأنفسهم بالتواضع رغم رفعة وعلو شأنهم، وكانوا يخافون الله من أن يقعوا في أعراض الناس أو عيوبهم لكي لا يبتليهم الله بما ابتلى به غيرهم من أصحاب هذه العيوب وكان بعضهم يقول: “إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله” وكانوا يحرصون على حسن إسلامهم لقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: ” من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ” (أخرجه الترمذي).

ورسالتي هي أن الانشغال بعيوب الناس وتتبع عوراتهم ماهي إلا خصلة سيئة وخلق دنئ ويدل على ضعف النفس وقصور في الدين يساعد على إغفال النفس عن عيوبها وإصلاحها ويقودها إلى الخصال السيئة الممقوتة مثل الغيبة والنميمة والإعجاب بالنفس الذي هو طريق للكبر والعياذ بالله، فمن الواجب على المسلم أن ينشغل بإصلاح نفسه والعمل على تزكيتها وفلاحها بعيدا عن أفعال وأقوال الآخرين كما قال الله تعالى في سورة الإسراء” مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ” (الآية-15).