أعلم جيدا أن فن التواصل مع الآخرين يبدأ من لحظة الالتقاء بهم، وأيضا من خلال النظر بأعينهم. وأعلم أن التواصل يمر بالعديد من الخطوات؛ فعندما يفكر الفرد منا بالتواصل مع الآخرين، فإنه يملك في داخله اتجاها نحو ذلك التواصل، إما أن يكون إيجابي وإما سلبي، وحتما لن يخلو التواصل من المحادثة والحوار وأيضا لغة الجسد فهي من الأمور المهمة في عملية التواصل.

صدمت مؤخرا بأشخاص فقط من كيفية إدارة الرد والنقاش معهم، فلم أكن أتوقع أن تكون تلك الشخصيات التي أسرتني بشكل أو بآخر أن يكون ذلك هو منطوقها في إدارة حوار وإدارة خلاف في وجهات النظر. كانت صدمتي كبيرة للحد الذي أفقدتني القدرة على الرد، ومن ثم فضلت الانسحاب بدلا من البقاء والجدال في أمر أعرف مسبقا نهايته منذ أول رد تلقيته من جراء ذلك النقاش.

من حينها وأنا صامتة لم أستطع أن أكون إلا صامتة، وحتى هذه اللحظة، كنت أمل ممن كان يحاورني أن يفهم وجهة نظري بصدر رحب، وأن يخوض معي نقاشا مثمرا بناء نخرج من خلاله بحلول مرضية ومقنعة لكلا الطرفين، ولكن كانت توقعاتي غير ذلك تماما مما أفقدني أيضا الثقة وجعلني أتخذ قرارا نهائيا لا رجعة به بعدم خوض أي نقاش بعد ذلك مع أمثال تلك الشخصيات.

أعلم جيدا أن ليس ما أعنيه أنا بالضرورة أن يفهم بشكل صحيح، حتما سيكون هناك سوء فهم من قبل الاخرين.

عندما يتحول النقاش إلى تعنت من قبل الآخر، ويكون هدفه إيصال فكرة ما بالقوة أو القبول بها عنوة وتحديا. لا تتحول تلك الفكرة إلى شيء فاعل أو ثقافة واعية بل إلى تصلب العقل.

إن ثقافة الحوار فاضحة لثقافة المجتمع وهي التي تقود إلى تحول الحوار إلى نقاش هادف أو جدل عقيم؛ لذلك أن الانسحاب من الحوار هو السبيل الأفضل حتى لا نقع في دائرة المجادلة.

وللأسف فإنني مررت بأشخاص كثر في حياتي لديهم هذه العقلية والتمسك بهذا الأسلوب في الجدال، أن بعضهم لا يحسن فن الحوار والنقاش، فيلجأ إلى أسلوب الجدال العقيم، حيث لا يكون هدفه الوصول إلى الحقيقة، بل الانتصار للنفس حتى وإن كان على خطأ، وهو دليل على ضعف الحجة وعدم القدرة على الإقناع والتعصب للرأي.

والشخص المجادل،لا يؤمن بالمنطق أو الحقائق والوقائع، وإذا شعر بقوة منطق الآخر يلجأ إلى السخرية والاستهزاء من الطرف الآخر، وقد يبتعد عن موضوع الحديث والتقليل من شأن الاخر.

دائما ما كنت أحاول في نقاشاتي مع الآخرين ألا أحيد عن قواعد الحوار المهمة، وهي أنني لم أهاجم بنقاشي بأي شكل شخصي، ولم يكن نقدي يوما إلا نقدا بناء وضمن الإطار المعقول ولم أخرج عن ذلك النطاق أبدا ولم أجرح مشاعر الآخرين أثناء حواري معهم. كنت دائما ما أنتقد ولكن بشكل وطرق أجمل لم أخرج بها عن نطاق الأدب؛ فأنا أعلم جيدا قواعد النقاش وألتزم بها.

لم أعطي نفسي يوما أملا أن أخرج من نقاش أو حوار ما منتصرة أو فائزة، ولم أملي آرائي على الغير. كنت أحاول فهم الطرف الآخر ووجهة نظره مهما كانت مضادة، ولكن رغم كل هذا كنت أُفهم من قبل الآخرين بطريقة مختلفة فيها الكثير من الظلم والتجني، ولكني أسامح وأنسى دائما؛ فكلنا لسنا معصومين من الخطأ، كلنا نخطئ، لذا دائما ما أغفر للناس الذين أساءوا الظن بي من خلال أي نقاش معهم.

مع هؤلاء وغيرهم ممن ينتهج ذلك الأسلوب أرى أن الاستمرار معهم بحوار ما أو نقاش فيه خسارة لنفسي أولا وللآخرين ثانيا فأفضل ترك النقاش فورا ومغادرة الموقف لأنني أؤمن بشدة أن “كسب القلوب أهم من كسب المواقف”.