يحكى أن هدهدًا وغراب دب بينهما نازعا على حفرة ماء، فادّعى كل منهما بأن الحفرة له، واختصما فقررا أن يحتكما إلى قاضي الطير لفض ذلك النزاع الذي نشب بينهما.

فذهبا إلى قاضي الطير وسردا عليه قصتهما، فطلب منهما البينة و قال: “من يملك البينة ستكون الحفرة من نصيبه.”

وعندما طال صمتهما، اتضح للقاضي بأنه لا أحد منهم يمتلك البينة! فكر القاضي، ثم حكم بالحفرة للهدهد، فقال له الهدهد متعجبا: “لمَ حكمت لي بالحفرة أيها القاضي؟

قال القاضي: “لقد عرف عنك الصدق وذاع بين الناس، حتى أصبحوا يقولون “أصدق من هدهد”؛ لذلك حكمت لك.

صمت الهدهد قليلا، ثم قال: “إن كان الأمر كما قلت، فإني والله لست ممن يعرف بصفة ويفعل خلافها، هذه الحفرة ليست لي بل هي للغراب فسمعتي أفضل بكثير من ألف حفرة.” ومن ثم تنازل عن الحفرة للغراب!

أين نحن من ذلك هل فكرنا للحظة كيف هي سمعتنا بين الناس؟ هل تساءلت ولو بينك وبين نفسك عن إجابة ذلك السؤال، كيف ينظر لي ويراني الناس وكيف هي سمعتي بينهم. هل تساءلت يومًا أن السمعة تحتاج إلى بناء قد يستغرق ذلك سنوات من المواقف الواضحة والجلية، وإلى السلوك القويم والتعامل الطيب والخلق الرفيع.

هل فكرت أن تلك السمعة هي رأس مالك وهي من ستظل وتعيش معك وتبقى حتى بعد مغادرتك لهذه الحياة. بلا شك كلنا نعلم أننا لسنا بمخلدين بالحياة ولا باقين أبد الدهر فلابد لنا من يوم نغادر به، لكن السمعة خالدة وباقية حتى لو غادرنا الحياة.

الذكر الطيب بعد الرحيل هو من نبحث عنه جميعا بدون استثناء. تمسك وتشبث بالسمعة الطيبة واجعلها هي المصباح الذي ينير حياتك بوجودك وبعد رحيلك، اجعل من نفسك مثالا يقتدى به.

قال الشاعر:

“قد مات قومٌ وما ماتت شمائلهم .. وعاش قوم وهمْ في الناس أمواتُ

فلا تعش ميتا ولا تمت حيا .. بل اعمل على أن تحيا ميتا.”

فهي حياة بعد الموت. أعرف أناسا كثر عاشوا وسمعتهم الطيبة تسبق ذكرهم، منهم من ارتحل ومنهم من هو باق على قيد الحياة.