رمضان هو شهر صيام وتقل فيه وجبات الطعام اليومية عن الأيام العادية والتي تكون ثلاث وجبات ثم تصبح وجبتين فقط في رمضان وهي الفطور والسحور، ولكن من المؤسف ملاحظة تضاعف الهدر الغذائي عند البعض في هذا الشهر الكريم وزيادة النفايات وتكدسها ببقايا الأطعمة في الطرقات بشكل ملحوظ بسبب تنوع الموائد الرمضانية بالأصناف الكثيرة والتي تصبح عبئا كبيرا بعد الإفطار لعدم استهلاكها وتجد أغلبها طريقها إلى حاوية النفايات.

ويعد الهدر الغذائي مشكلة سلوكية تسببها العادات والتقاليد واللقاءات الأسرية وأحيانا الفائض من المطاعم والفنادق بسبب الافتقار للوعي وأساليب التسوق المفرطة وعدم التخطيط والتنظيم مع عدم معرفة قيمة حفظ النعم.

ما هو المقصود بهدر الغذاء :-

وهنا لابد من توضيح الفرق بين فقد الغذاء (والبعض يسميه فاقد الغذاء) وهدر الغذاء في التالي:

أولا: فقد الغذاء :- ويعني فساد الأغذية قبل وصولها لمرحلة المنتج النهائي أو مرحلة البيع بالتجزئة ويحدث غالبا في المزارع أو التخزين أو خلال فترة التوزيع ولا دخل للأفراد المستهلكين فيها.

ثانيا: هدر الغذاء :- وهي الأغذية الصالحة للاستهلاك والتي فسدت قبل أن يتم استهلاكها أو بسبب استبعاده بمعرفة تجار التجزئة أو المستهلكين وتحدث عادة في المتاجر والمطاعم والمنازل.

وهناك عدة أسباب لزيادة الهدر الغذائي في رمضان وأهمها :-

* العادات والتقاليد المتمثلة في الكرم والضيافة وحجم السفرة وتنوع الأصناف وكثرتها لعدم الانتقاد.

* الحالة النفسية التي يعيشها الصائم وهو ينتظر ساعة الإفطار وشهوة الطعام الخداعة بسبب التفكير في الطعام.

* المبالغة من ربات البيوت في إعداد الطعام وكثرته بسبب تعاطفهن مع أفراد العائلة وطلبات الصائمين.

* التسوق بشراهة دون تخطيط وشراء كميات غذائية أكبر من الحاجة في شهر رمضان وعدم تقسيم مراحل التسوق.

* سوء تخزين الأغذية بسبب كثرتها ووضعها في أماكن غير صحيحة أو عدم التغليف الجيد أو عدم قراءة التعليمات.

* المبالغة في الموائد الرمضانية رغبة في الأجر، حيث نجد أن كثير من الأغذية تذهب لحاويات النفايات لعدم الاستهلاك.

* سهولة إلقاء الفائض من الأغذية في الحاويات بدلا من السعي للتبرع به للفقراء والمحتاجين والمحرومين.

* عدم تفقد الفقراء والمحتاجين والمحرومين ومعرفة أماكنهم واحتياجاتهم كي يتم توزيع الفائض من الأغذية لهم.

حقائق عامة عن هدر الطعام لعام 2021م :-

مشكلة هدر الطعام هي مشكلة عالمية وتعد من أكبر المشاكل التي وصلت إلى حوالي مليار طن من النفايات وفقا لمؤشر نفايات الطعام لعام 2021م الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأوضح المؤشر أن العالم ينتج كل عام 931 مليون طن من نفايات الطعام، منها 569 مليون طن مصدرها المنازل وهي النسبة الأكبر ثم تليها خدمات الطعام بواقع 244 مليون طن وتأتي قطاعات التجزئة بواقع 118 مليون طن، كما أظهر المؤشر أن نصيب الفرد عالميا من بقايا الطعام هو 74 كيلو جرام سنويا والذي يشير إلى الحاجة الماسة لتحسين ومعالجة مشكلة هدر الطعام.

حكمة من حكم الصيام والجوع في رمضان :-

أعجبتني حكمة تقول: لا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها، بمعنى الهدف من الصوم والجوع والعطش هو الإحساس بما يكابده الفقراء والمساكين من جوع وعطش ونقص في الغذاء طوال العام ومعرفة قيمة وجود نعمة الطعام والشراب في حياتنا وفضل الله علينا والتي حَرُمَ منها البعض، وعدم إهدارها بالشكل الذي لا يرضي الله ورسوله كما قال الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ (الفرقان-67)، وقواما تعني وسطا بين الإسراف والتقتير.

كيفية علاج الهدر الغذائي عامة وفي رمضان خاصة :-

* التوعية الدينية عن الهدر الغذائي في رمضان وغيره من الشهور وحبذا في المراحل الدراسية والندوات والمساجد.

* تدريس مادة الإدارة الغذائية من ناحية التخطيط والتنظيم والتوجيه والمراقبة لمقاومة مشكلة الهدر الغذائي.

* تقليل كميات الوجبات الغذائية بحسب حاجة كل فرد في العائلة وملاحظة الفائض لتلافيه في المرات القادمة.

* عدم إلقاء الفائض من الطعام وحفظه لوجبة أخرى أو استخدامه في صنع أطباق أخرى أكثر جاذبية لأفراد العائلة.

* شراء المواد الغذائية حسب الحاجة والاستهلاك لتلافي فسادها بسبب سوء التخزين وعدم الاستهلاك وطول المدة.

* عمل خطة زمنية للتسوق بحكمة حسب الحاجة مثل أن تكون أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية لضمان الاستهلاك.

* متابعة تواريخ صلاحيات الأغذية المخزنة في المنزل وعمل برنامج استهلاكي لها يناسب تواريخها مع التخزين الجيد.

* التبرع بفائض الطعام للفقراء والمحتاجين والمحرومين لإسعادهم وإدخال السرور لقلوبهم وكسب الأجر والثواب.

* عدم التخلص من فضلات الغذاء وقشور الفواكه حيث تستخدم كسماد عضوي للتربة لمن لديهم اهتمام بالزراعة.

* دعم الإنتاج المحلي والناتج الزراعي المحلي لاستهلاكه وعدم فساده بسبب المنتجات المنافسة إعلاميا.

حملة “النقص ولا الزود” من وزارة البيئة والمياه والزراعة :-

أطلقت الوزارة العام الماضي 2021م حملة “النقص ولا الزود” بالتعاون مع المؤسسة العامة للحبوب وهي حملة موسعة للحد من الهدر والفقد الغذائي وتفاعلت معها أكثر من 40 جهة حكومية ومؤسسات القطاع الخاص إنطلاقا من دورها في رفع الوعي بأهمية التنويع الغذائي وضرورته وزيادة مصادر الغذاء والحد من الفاقد والهدر الغذائي ونشر الوعي لاستخدام الموارد الطبيعية الزراعية بكفاءة وسلطت الحملة الضوء على الأمراض الناجمة عن الهدر الغذائي وكيفية التعامل مع النفايات والتوعية بخطورة الإسراف الغذائي، بعد أن بلغت كمية الهدر الغذائي في السعودية نحو أربعة ملايين وستة وستون ألف طن (4,066,000) وهو رقم كبير جدا يؤكد الحاجة الماسة لضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة المتزايدة.

ورسالتي هي أن هدر الغذاء وخاصة في شهر رمضان أصبحت عادة لدى البعض بحيث يتسوق الإنسان من الغذاء ما يزيد عن حاجته الفعلية وأكثر مما يستطيع أكله أو ترك المواد الغذائية تفسد في المنازل لعدة أسباب تم ذكرها سابقا أو إعداد موائد من الطعام كبيرة ومتنوعة لا يتم تناولها وهو ما ينافي القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية التي تميزنا بها نحن المسلمين عامة عن غيرنا من البشر وتؤثر أيضا في الموارد المالية، لذا من الأحرى أن نلتفت لهذه العادة السيئة وإيجاد أفضل الحلول لتفادي أضرارها على الأفراد والمجتمع والبيئة.