سورة الكهف هي سورة مكية رقمها الثامنة عشر في ترتيب القرآن الكريم وعدد آياتها 110 آية وهي من السور المتأخرة في النزول وتقع في الجزئين الخامس عشر والسادس عشر وتتناول عدة أمور منها التحذير من الفتنة والتبشير والإنذار وبعض مشاهد يوم القيامة وقصة أصحاب الكهف ثم قصة صاحب الجنتين (المزرعتين) وقصة آدم وإبليس وقصة موسى –عليه السلام- مع العبد الصالح ثم ختم الله هذه القصص بقصة ذو القرنين وسد يأجوج ومأجوج.

سبب نزول سورة الكهف :- عندما كثر عدد المسلمون وكثر الوافدون من القبائل العربية لمكة للسؤال حول دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، أرسل المشركين رجلين هما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط للمدينة لسؤال أحبار اليهود عن أمر هذا النبي عليه الصلاة والسلام ودعوته بعد أن وصفوه لهم وماذا كان يقول.
طلب الأحبار منهم سؤال النبي عن ثلاث مسائل إن أجابها فهو نبي، وإن لم يجب عليها فهو مدعي النبوة وهي أمر فتية في الأمم السابقة (أصحاب الكهف) وماهية الروح، ورجل حاب مشرق الأرض ومغربها، فذهب بعدها مشركي قريش للنبي عليه الصلاة والسلام لمعرفة رده لليهود، فأخبرهم أنه سوف يجيبهم غدا (ولم يقل إن شاء الله) فتأخر الوحي ثلاثة أيام وقال ابن إسحاق خمسة عشر يوما فشق ذلك على النبي، ثم أنزل الله تعالى جبريل عليه السلام بسورة الكهف.

وقت قراءة سورة الكهف :- يستحب قراءتها ليلة ويوم الجمعة ويبدأ وقت القراءة لهذه السورة من غروب شمس يوم الخميس حتى غروب شمس يوم الجمعة.

فضل قراءة سورة الكهف:-
* نزول السكينة على قارئها :- روى الإمام مسلم في صحيحة أن ” قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وفي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ قدْ غَشِيَتْهُ، قالَ: فَذَكَرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: اقْرَأْ فُلَانُ، فإنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ القُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ ” (وفي رواية) سَمِعْتُ البَرَاءَ يقولُ: فَذَكَرَا نَحْوَهُ، غيرَ أنَّهُما قالَا: تَنْقُزُ”.
* سبب لنور المسلم القارئ :- قال عليه الصلاة والسلام “من قرأ سورةَ (الكهفِ) في يومِ الجمعةِ أضاء له من النورِ ما بين الجمُعَتَين ” المحدث : الألباني – صحيح الجامع.
* العصمة من المسيح الدجال :- ما من نبي إلا وقد حذر قومه من المسيح الدجال، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فقد قال في ذلك ” مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ” صحيح مسلم.
الدروس والمعاني المستفادة من سورة الكهف :-
* الوعيد الشديد لمن يدعى أن لله ولدا والعياذ بالله.
* ضرورة تعليق الأمور المستقبلية بمشيئة الله كالأمر في الآية “ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله”.
* العلم يأتي على قدر الصبر، ولو صبر موسى عليه السلام في قصته مع العبد الصالح لعلم الكثير من الأسرار المخفية.
* استقامة الآباء تكون سببا في حفظ الله لذريتهم في حياتهم وبعد الممات وهو ما حدث مع اليتيمين في القصة.
* فضل الله على ذي القرنين بالسلطة وتمكينه من حبس قوم يأجوج ومأجوج بإقامة السد رغم قوتهم.
* أثر التوحيد في حفظ الصالحين من الفتنة ورحمة الله لهم كما حدث مع أصحاب الكهف وحمايتهم من الأشرار.
* كفر من ينكر البعث وقيام الساعة كما في الآية ” وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا”.
* من أفضل أساليب الوعظ والزجر تذكير الإنسان بأصل خلقه كما جاء في الآية ” قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا ” (الآيه-37).
والوعظ: معناه النصح والتذكير بالعواقب المقترن بالتخويف، أما الزجر: فهو المنع والنهي عن شيء ما.
القصص المذكورة في سورة الكهف :- وهي خمسة قصص نلخصها في الآتي :
1- قصة أصحاب الكهف :- هم فتية لجأوا لكهف خوفا من الفتنة في دينهم وهروبا من عبادة الأصنام فناموا برحمة من الله وحفظه في الكهف ثلاثمائة وتسع سنوات فلم يعلموا حقيقة أمرهم والزمان الذي هم فيه.
2- قصة صاحب الجنتين :- وهي قصة الرجل المؤمن مع الكافر صاحب الجنتين (المزرعتين) المعجب بما أتاه الله من خير وتكبر على الآخرين وظن أن نعيمه أبدي، فذكره المؤمن بالله وشكره على نعمه والإيمان به حقا، فرفض وكان عقابه من الله بإحراق المزرعتين ثم ندم على ظلمه لنفسه كما وصفه الله وقال: باليتني لم أشرك بربي أحدا.
3- قصة آدم عليه السلام وإبليس :- حيث حذر الله فيها عباده من إتباع أوامر الشيطان والسير على طريقه بالكبر ورفض السجود لآدم عليه السلام تشريفا وتكريما له، ثم بين الله تعالى قدرته العظيمة في خلق السماوات والأرض.
4- قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح :- وهو عبد صالح أتاه الله علما لم يؤته لموسى عليه السلام، فأراد موسى الرحيل إليه فأمره الله بأخذ حوتا معه وسيجد العبد الصالح في موضع فقد الحوت، فلقيه موسى وطلب مصاحبته للتعلم منه فرد العبد الصالح بأنه لا يملك الصبر على ما سيشاهده من أحداث لا تتفق مع شريعته، فأصر موسى وعلق صبره على مشيئة الله، وأشترط العبد الصالح عدم السؤال عن الأحداث حتى يخبره بنفسه عنها، وتوالت الأحداث المذكورة في السورة بينهما إلى أن وصلت إلى الاعتراض من موسى وحصول الفراق بينهما وإخباره بالحكمة من كل فعل قام به بأمر الله ولم يستطع عليه صبرا.
5- قصة ذي القرنين :- هو رجل مكنه الله في الأرض ومنحه من الأسباب ما يعينه على ذلك ووصل لموضع غروب الشمس ووجد عندها قوم كفار فخيره الله بين تعذيبهم أو الإحسان إليهم كما قال تعالى “قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا” فقسمهم لقسمين كافر (يتم تعذيبه) ومؤمن (له جزاء الحسنى)، ثم عاد لشروق الشمس ووجد قوما ليس لهم سترا من الشمس (أي لا تغرب عليهم أو لا منازل لهم) فتوجه للشمال ووجد سدين بين أناس وبين قوم مفسدون في الأرض (هم يأجوج ومأجوج) يكادون لا يفقهون قولا، وطلبوا منه إقامة السد بينهم ويعينونه ويدفعوا له الأجر، فأقام السد ورفض الأجر وشكر الله وأثنى عليه هذا الفضل العظيم.

وختاما فقد عالجت هذه السورة عدة موضوعات منها أهمية توحيد الله ودعوة البشر لها، والإيمان بالآخرة وبيوم القيامة والإيمان بدعوة محمد عليه الصلاة والسلام بشيرا ونذيرا، وأن الفتنة هي الغفلة عن عبادة الله وأن كلمات الله لا تنفذ وليس لها حدود وأن من يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.