أمر الله سبحانه بالمسابقة والمسارعة إلى الخيرات واغتنام مواسم الطاعات بكثرة الأعمال الصالحة والقربات قال تعالى في وصف عباده المتقين: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات).

أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة ، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ، ولا يتركون فضيلةً يقدرون عليها ، إلا انتهزوا الفرصة فيها. (تفسير السعدي).

وها هو شهر رمضان قد ذهب نصفه ونحن الآن في النصف الثاني منه ومقبلون على أفضل أيامه ولياليه ليالي العشر الأواخر من رمضان التي فيها ليلة القدر عظيمة القدر والأجر وهي خير من ألف شهر ، والعبادة فيها تعادل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين عام وستة أشهر.

إن كان شطرٌ قد ذهب … ‏يا قومِ فالباقي (ذهب)
‏بل إنَّه أغلى … ‏ففيه أعزُّ ما ربّي وهب..!!
‏القدرُ والعشرُ الأخيرةُ … ‏والجوائزُ والرُّتب
‏وقوافلُ العُتَقاء في … ‏مسكِ الختامِ المُحتسَب
‏ياربّ هبنا منك أفضلُ … ‏ما يُنالُ ويُكتسبْ
‏العتقُ والرضوانُ والتقوى … ‏وتفريجُ الكُرَب

وكان سيد الخلق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان جد واجتهد وأكثر من العبادة وشد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله ‏وكل دقيقة من هذه الليالي وكل ثانية منها هدية من الله، وأعمالها مُتقبّلة، فاغتنوها في تلاوة القرآن الكريم، والتسبيح، والتهجّد، والدعاء، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدقة، والاعتكاف، وإخراج الزكاة الواجبة ، والرحمة بالفقراء والمساكين والعطف عليهم ؛ فإن لله نفحات ومنح وعطايا وجوائز في هذه الأيام والليالي المباركة، فشمروا وسابقوا وسارعوا فطوبى للمقبلين على الله تعالى والمكثرين من الطاعات والأعمال الصالحة ، فأيام رمضان تمر مسرعة وقد قاربت على الرحيل ، ألا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا أنتم في العمل ، والاجتهاد في الطاعات والأعمال الصالحة قال ابن الجوزي رحمه الله: “تالله لو قيل لأهل القبور تمنوا؛ لتمنوا يوماً من رمضان”. (التبصرة).

أرجوكم لا يذهب الشهر قبل أن تشرب قلوبكم وترتوي من معين الخلوة بالله؛ إننا نغفل طوال العام ؛ فإن لم نتذوق حلاوة ولذة القرب من الله تعالى في رمضان فمتى نتذوقها ، ومتى تلك اللحظة التي نخلو بالله عز وجل فيها ونأوي إلى محراب الإيمان والصلاة والأعمال الصالحة ؛ إنها أثمن لحظات اليوم وهذه الخلوات تعالج قلوبكم وتسعدها وتجعلها قريبةً من ربها ، مناجيةً له ، مقبلةً عليه.

واغتنموا كل أوقاتكم فقد لا يعود عليكم شهر رمضان مرة ثانية فلا تفرطوا فيه ، واغتنموا كل لحظاته ، فالثواني والدقائق فيه ثمينة جداً فإياكم والتفريط.

واحذروا من الخسارة في رمضان فأمين وحي السماء جبريل عليه السلام دعا على من أدرك رمضان ولم يغفر وقال لأمين وحي الأرض محمد صلى الله عليه وسلم قل آمين فقال آمين: (رغم أنف امرئ أدركه رمضان ثم انسلخ؛ ولم يغفر له ، رغم أنفه، ثم رغم أنفه! قل آمين؟ قال: آمين).