مر شهر رمضان مرورا كريما سريعا حتى أننا لم نشعر به وهو يتسرب خلال أيامنا كالنسيم العليل.

انقضت لياليه الزاكية وأيامه الزاخرة بالعطاء والعمل لله سبحانه.

رحل ليتركنا نعيش لحظات تختلج فيها مشاعر الحزن على فراقه والفرحة بقدوم مسك ختامه، إنها لذة الفرحة بعد الطاعة وغراس السعادة بعد العبادة.

سيحدونا الشوق في عودته العام القادم ونحن بأفضل حال إن شاء الله.

وها هي ليلة العيد تطل في خجل علينا متوشحة وشاح الفرح والسرور.

“يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا” مطلع أغنية كوكب الشرق أم كلثوم يا ليلة العيد.

على مدار سنوات عمري الماضية كانت تلك الأغنية تحتل جزءا من مساحة خاصة بنفسي لما لها من وقع بداخلي.

كلمات تلك الأغنية مفعمة بالفرح والأنس والسعادة وأيضا بشيء من الألم والشجن؛ لأنها تحمل بين طياتها الكثير والكثير من الذكريات القابعة بداخل روحي.

يا ليلة العيد ليست مجرد نغمات تغنى بل لها معانٍ عميقة في خلجات نفسي وعن حال زمن فات ومضى.

فذلك الزمان مربكل تفاصيله ولكن كانت له محطات أثارت كوامن نفسي.

بلا شك أن الساعات تمضي والأيام تمضي والسنوات تمضي، تحمل فيها تلك الذكريات الجميلة منها والأليمة في تلك الأزمنة.

كانت العلاقات بين الأفراد أكثر صدقا ودفئا وواقعية، وأيضا كانت المعاملات أقل تعقيدا وأكثر سماحة مما نحن عليه اليوم.

كل ليلة عيد أقف متأملة حال بعض من قست قلوبهم وتجبرت على أحبائهم هجرهم وقطعهم لكل الأواصر الاجتماعية وبدون أسباب ولا مبررات، فقط أهواءهم من أرادت ذلك، وسعوا للقطيعة والبغض والعياذ بالله.

إن هذه الدنيا لا تدوم على حال، ليت أولئك البعض يتفكرون قليلا بينهم وبين أنفسهم ماذا سيجنون من ذلك الهجر الذي بادروا به المقربين منهم وبماذا سيفوزن في آخر المطاف.

أتعجب من حال أمثال اولئك الذين يسعون ويبحثون عن العداء بشتى أشكاله لاهثين منقبين عن زلات الآخرين واتخاذها عذرا للجفاء، ألا ليتهم يعلمون أننا مجرد أيام سرعان ما تنقضي وترتحل وتنطوي صفحاتنا للأبد، ولن يفيد بعدها البكاء على أطلال الراحلين منا.

للأسف أن هناك من يضربون بكافة الفضائل عرض الحائط، وستظل القطيعة بين الأقارب لفظ شديد القسوة خالي المشاعر، ولكنه شعور يعيش بيننا وأصبح يتمدد ويتوسع في العلاقات بشكل كبير جدا.

رغم وضوح تلك النهايات نصمم على البقاء، نتشبث بالأيادي التي لا تمد لنا وبالقلوب التي لا تعيش من أجلنا.

نجاهد على الدوام كي لا نرحل، ونحاول دائما أن نتغاضى عن الزلل المتكرر حتى لا نمضي، نوفي لتلك اللحظات الجميلة رغم قلتها وشحها ببعض الأحيان أمام كثرة كل تلك الآلام والتنازلات.

لا نعلم حقيقة لماذا نستمر بطيب ذلك الخاطر الذي كسر فينا مرار وتكرارا، ورغم كل ذلك الكم من الصبر أيضا لا زلنا نخذل.

ستبقى كلمة عيد تختزل في حروفها ومعانيها ومراميها كل ما هو جميل وخير في دواخلي، وسيبقى العيد يحرك شجونا كثيرا، ونبقى نحن حائرين بين ذكريات عابقة بزمان مضى وحاضر يثير فينا ذلك الشجن الذي لا يخبوا.

وسيأتي العيد دائما ليجدد محبتنا لأنفسنا التي تلاشت في قيعان الهموم وضاعت في زحمة الحياة وتعقيداتها.

يقول مصطفى صادق الرافعي عن العيد: “جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.

زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضهُ الأديان على الناس، ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.

يوم السلام، والبِشر، والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير!”.