يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: «اسمع مني ولا تسمع عني، فربما أكون بعينك جنة وبعين أحدهم نار، فتحرقك نار القيل والقال».

الى من لا يدرك قيمة وأثر قوله ومنطوقه، إلى من يتقول عن الآخرين بدافع شخصنة المواقف أو الانفراد برؤية أو الانتقام، أسمع مني لا تسمع عني.

كثر في أيامنا هذه جهلة التصويب والتحليل لمواقفهم الحياتية، وهم لا يملكون مقومات المعرفة ولا الفهم سواء للفروق الفردية وفنون إدارة العلاقات الإجتماعية، يطلقون الكلمة وتتلوها الجملة ذات المحمل والمعنى السيئ لمن عرفهم ومن لا يعرفهم ، ويحرصون على تصويب تلك الكلمات والجُمل لمن تميز ونجح في جانب من جوانب الحياة ، إذ تجد سهامهم موجهه بالنقد والتجريح بلا تأني ولا معرفة، ويبدؤون بتصنيف الأخرين بتصنيفات عقائدية ومذهبية وإجتماعية ودينية تنال من كرامتهم وسمو ذاتهم، بل يصل الحال بالبعض إلى تخويف الناس وتحذيرهم منهم، ورمي الملتزم بالإرهاب وبالموظف المتميز بالنفاق والمتطوع لمجتمعه بالمتملق وكلاً يُعطى بصفه لا تليق بجوهره الحقيقي، وكل ذلك لم يسمع منه إنما سمع عنه .

هذه العبارات القاتلة تقال لمن لا يعلم حقيقة وجوهرة الآخرين ، فقبل أن تحكم علي اسمع مني لا تسمع عني ـ
يا زوجي / زوجتي
يا صديقي / زميلي
يا مديري
يا من تملك القرار والتأثير
أسمع مني لا تسمع عني، أسمع مني لا تسمع عني، أسمع مني لا تسمع عني.
فعاقبة الكلام في الآخرين إثم عظيم وذنب جسيم هي الغيبة والنميمة، التي حذرنا منهما الشرع الشريف، ونفّر منها المولى، عز وجل، مشبهاً إياها بأكل لحم الأخ الميت، إذ يقول تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه).

وشدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على النهي عن الغيبة في الحديث الشريف: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته».

ومما روي في تراثنا العربي، أن أبا نواس الشاعر العباسي كان مشهوراً بالفسق والمجون حتى لُقب بشاعر الخمر.

ولما مات رفض الإمام الشافعي أن يصلي عليه لأجل هذا، ولما جيء به للغُسل، وجدوا في ملابسه أبياتاً: قال في مطلعها:
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت أن عفوك أعظم فلما قرأها الإمام الشافعي بكى بكاء شديداً، ثم قام فصلى عليه، وجميع من حضر من المسلمين.

وأخيراّ فإننا نقول، إن شئت، فقدم النصيحة وفق شروطها خالصة لله، إن رأيت مكروهاً في أخيك أو سوءاً، لكن ليس من الخُلق أو الدين غيبة الناس، ولو بدافع الكراهية أو الحقد وليس من حق أحد أن يصدر أحكاما مُسبقة على خلق الله جزافاً، تنال من مكانة الفرد وتقوض أركان المجتمع.

فأسمع مني لا تسمع عني