تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن فضائل الأشهر الحرم، وبينوا فضلها، وأحكامها والواجب على المسلم تجاهها قال تعالى: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). سورة التوبة، آية ٣٦.

ووردت أحاديث نبوية صحيحة بتحديد هذه الأشهر الحرم قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ). رواه البخاري ومسلم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم).

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: (كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام إلى أن قال: وقد أشار الله إلى هذا بقوله: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً). الأحزاب:30.

وقال الامام ابن كثير رحمه الله: (كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ، فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام).

وقال قتادة رحمه الله: (الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم في كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء، فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل). تفسير الطبري.

والأشهر الحرم شهور مباركة ، وسميت بالأشهر الحرم، لقداستها وعظم ارتكاب الأخطاء فيها، وهي من الشهور التي حرم الله فيها القتال ، أو البدء فيه، إلا إذا كان دفاعاً عن النفس والأرض والعرض، قال سبحانه: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير). البقرة آية:217.

ويجب على الجميع التوبة إلى الله تعالى ، والحذر من الوقوع في الآثام والخطايا والذنوب والمعاصي ، أو تعمد فعل السيئات، والابتعاد عن الظلم؛ لأن ذنب الظلم فيها مضاعفاً وكما تتضاعف الذنوب إذا ما ارتكبت خلال تلك الشهور، فإن الحسنات والأعمال الطيبة المباركة يتضاعف أجرها ، ويستحب فيها التقرب إلى الله عز وجل ، والسعي في مرضاته، وكثرة الأعمال الصالحة كالحج والعمرة ، وقراءة القرآن الكريم، والصيام ، والصدقة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وكثرة الذكر ، والاستغفار ، والدعاء.

وذُكر في حكمة تحريم هذه الأشهر أن شهر رجب يسبق شهري شعبان ورمضان، فتكون فرصة للإنسان للابتعاد عن الذنوب والمعاصي، استعداداً لتلك الأيام التي فرض الله فيها الصيام ، وكذلك موسم الحج يكون في بعض أيام هذه الشهور الأربعة، فتكون النفس أزكى وأنقى، ومتفرغة للطاعة والعبادة.

قال ابن رجب رحمه الله: (وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلّها، منهم ابن عمر، والحسن البصري، وأبو إسحاق السبيعي، وقال الثوري رحمه الله: الأشهر الحرم أحبُّ إليَّ أن أصوم فيها). لطائف المعارف.

والأولى لمن أراد صيامها ان لا يتم شهرا منها ، لأن ذلك إنما يكون في شهر رمضان، ولحديث عائشة كما في الصحيحين: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: اسْتَكْمَلَ شَهْرًا قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَان).

أيها القراء الكرام من صفات المؤمنين الذين مدَحهم الله وأثنى عليهم تعظيم شعائر الله، ومن شعائره الأشهر الحرم، ومن صفاتهم تعظيم حُرماته مطلقًا، وزيادة تعظيمها في الأشهر الحرم؛ قال سبحانه: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). سورة الحج: 32، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ). سورة الحج: 30.

فلنتق الله فيها أكثر من غيرها، ولنجتهد فيها بزيادة التقرب إلى الله تعالى، والبعد عن المعاصي، والإكثار من الطاعات.