منذ طفولة ابن آدم وبداية وقوفه على أقدامه يستعد للركض، طارداً وراء اللعب والمرح، والذهاب هنا وهناك قدر ما هو مسموح له به، وأن يلتقي بأقرانه وقت ما يريد، هذه اهتماماته التي يسعى من أجلها.

بعد تحقيق الهدف الأول تتوسع المفاهيم والأهداف إلا أنه ما يزال يركض، الهدف الثاني: كيف يجتاز مراحل التعليم والتقدم بالعمر ويصبح رجلاً موظفاً يعتمد على ذاته حراً بتصرفاته وقراراته، ويمتلك مثل ما يمتلكه غيره من الناس، وأن يتزوج وينجب ذرية، ولديه أحلام تتجدد وتتنوع يوماً بعد يوم.

بعد تحقيق الهدف الثاني تتغير المفاهيم ويتغير مسار الركض قاصداً الاستقرار بعد التقاعد، إن كان الوضع المالي جيداً بحث عن (شلة) ليقضي معهم فترات (الوناسة) وما يتعلق بها، أو السفر إلى البلدان التي يهواها إذا كان من هواة الترحال المؤقت، وإن كان الوضع المالي سيء بحث عن عمل لتأمين احتياجات ما تبقى عنده من عائلته.

بعد تحقيق الهدف الثالث: ما يزال الركض مستمراً للبحث عن زوجة ثانية إن لم يظفر بها بعد، أو تزويج أبنائه، أو تنصيب نفسه قاضياً لحل مشاكل الأسرة والأقارب والجيران إن تتطلب الأمر ذلك، حاضراً في كل (هوشة) بدواعي الإصلاح، رأس حربة في كل (جهية) لحل مشكلة ما مجتمعية، من أهدافه وضع له بصمة تحيي ذكره وترفع من مكانته في محيطه الاجتماعي.

إن أمدّ الله بعمره إلى هذه اللحظة يتخطّفه الهرم وأعوانه فتضعف صحته ويكون صيداً سهلاً للأمراض فتنهشه، وإذا كانت صحته من الأساس معتلة فيكون التمكن منه أكثر سهولةً، فالركض ما يزال مستمراً للبحث عن الصحة بين أروقة المشافي بشقّيهِ الطبي والشعبي.

تتساقط أركان الأهداف وتنحصر في شيء واحد وهو مقاومة الشيخوخة بالبحث عن الصحة والعافية، وربما ضحّا بتحويشة العمر برمشة عين في البحث عن علاج هنا وهناك، هنا تنتهي معارك الكفاح ويتنازل عن جميع المزايا التي افتعل المعارك من أجلها، وأخيراً ينتقل إلى دار البرزخ وهنا تنتهي حياة الكر والفرّ ويتوقف الركض، نسأل الله حُسن الإقامة فإن صلحت صلح ما بعدها بإذن الله.