استيقظت باكرا في أحد الأيام، تناولت هاتفي متفحصة إياه بشكل سريع، فاذا بي أجد رسالة من إحداهن كان قد دار معها نقاش في الليلة الماضية بأمر كانت قد طلبت رأيي به بكل وضوح، فما كان مني إلا أن أعطيتها رأيي بكل شفافية مما أثار غضبها وأنهت المحادثة على الفور.

قمت بفتح تلك الرسالة وعندما قرأتها وجدتها عبارة عن كلام طويل للغاية به الكثير من الغلط بشخصي، كقولها: “اذهبي لتتعلمي كيف تتحدثين أولا ومن ثم قومي بإعطاء الآراء”! ومن ثم أعقبتها بقولها: “أنت شخصية غير مرحب بها ولا أريد أن أعرفك.”

بطبيعة الحال أنا عرفت حينها سبب الرسالة وأن رأيي الذي قلته لم يرق لها ولم يأتي على هواها ومقاس تأملها، وذلك إن دل على شيء فهو يدل على اضمحلال عقلية مرسلة تلك الرسالة، ودنو مستواها في الكثير من أبجديات الحياة الواقعية وبخاصة في الخلاف وإدارة الحوار أيضا، بعد قراءتي للرسالة فضلت عدم الرد ترفعا وسموا لذاتي، لأنني أعلم جيدا بأن الرد لن يغير شيئا ولن تتغير سمات تلك العقلية القابعة خلف تلك الشخصية، ولأنني تيقنت أن ذلك بسبب ضعف المرونة والتصلب في الرأي ونقص التسامح عند الاختلاف في القيم -والثقافات-.

لذلك اخترت يكون عدم الرد هو ردي لها. قبح الله الجهلاء، أحيانا نصدم من ردة أفعال أو ألفاظ ممن هم حولنا، نندهش للوهلة الأولى من فظاظة الأسلوب يشل اللسان في حينها حتى لو كنا أفصح الناس.

ولأننا أصحاب خلق فلا نجد ردا مناسبا على الحدث، فأخلاقنا لا تسمح لنا بالهبوط لمستوى المتحدث وهبوط ذلك الحديث ودناءته فبالتالي، يكون الانسحاب هو الحل الأمثل ثم التجاهل التام، فنحن لسنا كتلك الشخصية ولن نجني في حال مجاراته إلا الانخفاض والدونية، حتى لو كنا أشرف الناس وأرفعهم ليست الرفعة بالمال أو النسب، الرفعة الحقيقية برقي النفس والترفع عن الصغائر من الأمور البذيئة وعن كل ما من شأنه أن يخدش القيم والأخلاق.

الوقاحة في الخلافات أو النقد نعاني منها كثيرا، هناك حروب كلامية توجه إلى الآخرين بدون سبب وهناك حسد وحقد وأمراض نفسية ليس لها علاج، لأنها تغلغلت إلى النفس البشرية.

لذلك فكر دائما وابدا قبل أن تتكلم وكن حريصا على انتقاء كلماتك وألفاظك، فهذا خير دليل على مدي الرقي والأدب في الكلام، وأيضا أدب التعامل المحترم مع الآخر.