سألني بحسرة تعرضت لايذاء كبير من شخص اعتبرته أقرب من قريب،، أشعر بغصة مازلت أجد مرارتها في حلقي كلما تذكرت ذلك الموقف،!!!!

برأيك ما العمل ؟؟

الحل ياسيدي بممارسة الغفران ، مقصدي هنا (الغفران الواعي) ، وهو أن تصفح الصفح الجميل وتمارس الغفران من مكان قوة وليس ضغف، بعد التئام الجروح واكتمال التشافي بعد ان تتصل بالرحمن الرحيم فتملأ الرحمة ساحات قلبك .

ولنا في سيدي رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) أسوة حسنة ،في موقفه الذي ألهم العالم وخلده التاريخ ،عندما قال لأهل مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء ، مارس العفو و الغفران في أبهى صوره لكن بعد ان أصبح في أوج قوتة و دخل مكة قائدا فاتحا بعد ان هاجر منها مستضعفا ،

و بعد ان انتصر لرسالته وللنور الذي جاء به .

اضافة للبعد الأخلاقي للغفران فإن له أبعاد فسيولوجية، نفسية، وفكرية مهمه :

١.تخفيف الضغط في الجسم ، بعد حدوث الموقف الخلافي وقبل مرحلة الغفران يكون الجسم في حالة تحفيز طوال تواجدنا مع ذلك الشخص لأن دماغنا يشعر بحالة من التهديد فيحفز ردود فعل جسدية مشابه لتلك الذي تحدث في حالات الخطر ، أما بعد الغفران تعود الراحه والسلام الداخلي فيستقر النشاط الفسيولوجي في الجسد .

٢.عودة الشعور بالأمان النفسي، عندما يخيب احد الناس املك يزعزع ثقتك بالاخرين و يعزز بداخلك شكوك و أفكار ترجح انه من المكن ان يتصرف البقية معك بنفس الطريقة ، الغفران يعيد الأمان الى بيئتنا الداخليه ويحسن علاقتنا بالاخرين.

٣.عودة الأبداع والأنشطة الذهنيه الخلاقة ،،الشعور بالاستياء يستهلك طاقة جسدية وفكرية وعاطفية لذلك نشعر بالإرهاق وسوء المزاج وننصرف عن أهدافنا وخططنا ومشاريعنا المهمة ، مارس الغفران ووفر طاقتك لآمالك وأعمالك ودع إبداعك ينطلق بحرية .

من وجهة نظري يجب ان تمر ممارسة الغفران بثلاث مراحل نفسية على التوالي :

المرحلة الاولى : بجب ان نستشعر الألم ونعترف بوجوده مع الحذر من تضخيمه او الانخراط في دور الضحيه ، لكن هذه المرحلة من معايشة الألم مهمه جدا ، بعدها حاول استجلاء الصورة واسترجاع ما أمكنك الحقوق، وإذا استعصت عليك المواجهة، فأمهل نفسك وقتا للتشافي ولا تأنبها على عدم قدرتها على النسيان او تجرم غضبها واصبر حتى تستقر مشاعرك قبل ان تقوم بممارسة الصفح والغفران ( يجب ان ندرك ان الغفران هو محصلة التشافي من تجربة مؤلمة وليس وسيلة لتسكين الجروح أو الهروب منها ، لايمكن ان تدعي الغفران وجروحك لازالت تنزف وحدودك منتهكة وحقوقك مسلوبة فهذه حيلة دفاعيه نفسية تمارسها لتخفي خلفها ضعفك و عجزك عن استرجاع حقوقك ).

المرحلة الثانية: الإعتراف بالنقص والمحدودية وعدم المثالية و اننا نتحمل جزء من مسئولية الأحداث التي تحصل لنا في الحياة ، كثيرا ما يكون انفجار العدوانية الداخلية للأشخاص بسبب استفزازنا لمشاعر الطرف الاخر أو الضغط على نقاط عدم الأمان عنده .

فقد يكون سبب تعرضك للسرقة شحك وبخلك ،احيانا تعرضك للخيانة يكون سببه اهمالك او غيرتك المفرطة .

ضغينة الاخرين تجاهك قد تكون بسبب اهانتك لهم في موقف ما .

المرحلة الثالثة و الاخيرة هي تعاطفك مع الشخص الذي قام بايذاءك ،التعاطف يسهل عليك الصفح والمغفرة ، قد يكون هذا الشخص تصرف بشكل خاطئ و يجب ان يتحمل مسؤلية الخطأ،، لكن جميعنا بشر والخطأ وارد ، وليس من السهل اختيار الأبيض او الأسود دائما فهناك مساحات كبيرة من الضباب والرمادية قد تربك الحكم على الامور وتقود الى سوء التقدير وتدفع الناس احيانا لتصرفات قد تعتبر مؤذيه للاخرين ، وبمسامحتك تساعد الاخر على التطور وكبح جماح نفسه والتغلب على انفعالاته السلبية.

ملاحظة هامة :احيانا نرفض ممارسة الغفران لأننا لانريد ان نستمر في العلاقة وهذا الربط غير صحيح ، مارس الغفران لأجل ان تحفظ طاقتك من الاستنزاف وتعود لسلامك الداخلي و بعدها لك الخيار و مطلق الحرية في الاستمرار او قطع العلاقة او اعادة صياغتها وفقا لخارطة مشاعرك الجديدة .

واخيرا ،،، سلم للإرادة الإلهية في كل ماجرى و طهر قلبك من الحقد والضغينة والتمس طرقا للحب من الله بعظمته ومن الكون باتساعه ومن ذاتك بتناقضها.