عانيت على مدار سنوات طوال من الصداع الذي لا ينفك يغزو رأسي أغلب الأيام، ويباغتني حتى وأنا أغط بنومي. والذي زاد الأمر سوءًا ذلك الدوارالذي أصبح يلازمني هوالأخر

أثناء وقوفي أو سيري؛ حتى أصبحت أسير مترنحة أتسند على الجدران، أو ممسكة بالأبواب أثناء سيري خوفًا من السقوط. على إثر ذلك قمت بمراجعة المستشفى بحثًا عن علاج أشارت علي الطبيبة بإجراء وعمل أشعة الرنين المغناطيسي؛ للاطمئنان علي من خلال صور الأشعة.

وبالفعل دخلت إلى جهاز الرنين المغناطيسي المغلق، كانت تجربتي الأولى التي لا أتمنى تكرارها، هي تجربة حتمًا لن يخرج من جربها كما دخل إحساسًا وشعورًا. لا أعلم كم من الدقائق قضيتها وأنا مستلقية على ظهري في ذلك الصندوق الضيق دون حراك إلا من أصوات ضجيج ذلك الجهاز الذي كاد ان يفقدني صوابي من قوته وازعاجه المتسارع.

شعور الوحشة وشعور قلة الحيلة التي تملكتني وأنا بذلك الجهاز لا توصف، كنت كالعاجزة لا أملك من أمري شيئًا سوى الاستسلام للوضع الذي كنت به، والذي لم أكن قادرة على تغييره، لم يكن الأمر سهلًا أبدًا بدون مبالغة، كنت أتصبر وكان الوقت يمر بطيئا للغاية وثقيلًا علي، شعرت بالضيق وأيضًا أحسست بأنني لا أستطيع التنفس، لم يعد لدي متسع من الصبر كدت أن أختنق، لم أرغب بشيء في حياتي كلها كما رغبت بالخروج من ذلك الجهاز بأقصى سرعة، استشعرت كل شيء بالحياة من مجرد دقائق معدودات مرت بصعوبة بالغة لا تعادلها صعوبة. وبعد وقت ليس بالقصير أخيرا أخرجوني من ذلك الصندوق الضيق، خرجت مترنحة وكنت وكأنني لا زلت أسمع تلك الأصوات كالطبول برأسي .

نظرت حولي رأيت الممرضة أمامي مبتسمة وهي تقول: “خلاص كشف” حينها تنفست الصعداء تيقنت بعدها أن الحياة لا ضمانات لها، وأن العمر مجرد لحظة، ولا ندري كم من الساعات أو الأيام تنقضي ونحن في صندوق الحياة الكبير جدا المليء بالتجارب، وأن مع كل تجربة كان هناك طعم ونكهة.

قد نستفيد من تلك التجربة لو أصرينا على النجاح وتجاوز الأزمات، فبداية مشوار الألف ميل لا يبدأ إلا عندما تقرر أن تقطع خطواتك الميل الأول، وبعدها حتما ستبلغ الميل الألف، حتى وإن كان ذلك بعد سنوات طويلة، فلا شيء يتحقق بسهولة بل إن أكثر الأمور التي نستطعم النجاح فيها ونستلذ بها هي التي يتكرر وقوعنا فيها أكثر من مرة، ثم ننفض غبارنا ونسند ظهرنا بيدنا لنعود واقفين من جديد كما كنا.