تشهد القارة الأوروبية موجة حادة من الجفاف لم تشهدها منذ عقود طويلة , لم يقتصر الأمر على ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الثلوج وحرائق الغابات , بل وجدنا أن هناك انحسار في منسوب المياه في العديد من الأنهار والبعض منها قد تبخر أو توقف عن الجريان .

لا استغرب أن يأتي يوم ويقال فيه أن هذا الوادي أو ذاك كان يجري فيه نهر … ؟! , كما هو الحال مع العديد من الأنهار التي جفت في القارة الإفريقية والأسيوية . يلاحظ بان وسائل الاعلام الغربية ومن يسير في فلكها ومن خلال تعاطيهم مع موجة الجفاف يتم التركيز على الجانب الاقتصادي فقظ (الطاقة , النقل , الزراعة , الصناعة ..) . اعتقد أن الجانب الأهم من ذلك لم يتم التطرق إليه حتى الآن ألا وهو الجانب السياسي .

هناك العديد من الأنهار العابرة للدول في أوروبا شهدت إنحسارا كبيرا في منسوب المياه , وهذا بدوره سوف يولد صراعا كبيرا بين دول المنبع والمصب (الحصص) .

حيث أن الأمر يتطلب إعادة النطر في حصة كل دولة يمر فيها النهر , وهذا يتطلب بدوره الغاء الإتفاقيات الموقعة بين هذه الدول , وبالتالي الدخول في مفاوضات ماراثونية من أجل تقاسم ما تبقى من المياه (الاستحقاقات) .

طبعا دول المنبع لن تفرط في حصتها ولن تتنازل بسهولة عن حصتها من المياه وفي النهاية عامل القوة سوف يكون له دور كبير في رسم الخارطة الجديدة للمياه في القارة الأوروبية . الماء أكسير الحياة وسوف تدخل الدول الأوروبية في صراعات سياسية حادة .

المناخ العالمي يتغير وموجة الجفاف لن تكون حدث عابر بل سوف تستمر في ضرب القارة الأوروبية ، الغرب الذي كان يتحدث عن حروب المياه في الشرق الأوسط , بل ويغض النظر عن قيام بعض الدول ببناء السدود على الأنهار وحرمان دول المصب من حصتها من المياه , بل وقيامه بدعم وتمويل هذه السدود من أجل تأجيج الصراعات بين الدول والتحكم فيها , كما هو الحال مع اثيوبيا وإسرائيل وتركيا وايران .

نجد الآن القارة الأوروبية على أبواب (حروب المياه) ؟! كما هو الحال مع الحروب التي أدمن الغرب على إشعالها في الشرق الأوسط من أجل تصريف السلاح ونهب الثروات وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من الدول , ها هي الحرب تدخل إلى قلب القارة الأوروبية (أوكرانيا) , والسلاح الخردة الذي كان يبيعه الغرب للدول النامية في الشرق الأوسط بعشرات المليارات من الدولارات ، يقوم الآن بارساله مجانا إلى أوكرانيًا ، وبدورها تقوم روسيا بتدميره معظم هذا السلاح قبل أن يصل إلى الجبهات .

وأوروبا التي ضاقت ذرعا باللاجئين القادمين من دول العالم الثالث (العنصرية) بسبب الحروب التي أشعلها الغرب في بلادهم والثروات التي قام بنهبها ، رأينا الآن وقد انعكست الآية حيث شهدت أوروبا موجات تقدر بالملايين من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء يهيمون على وجوههم في أرجاء القارة الأوروبية من الأوكرانيين؟! .

والحرب الأوكرانية المنسية والتي تحولت إلى مجرد خبر عادي على الشريط الإخباري للقنوات العالمية , هي الآن مرشحة كي تمتد إلى دول أوروبية أخرى والإصبع على الزر النووي لدى بوتين روسيا حقا الجزاء من جنس العمل ؟! إن الله يمهل ولا يهمل والأيام دول يبدو أن الطبيعة في أوروبا أيضا تلعب دورها كجند من جنود الله .

من التداعيات السياسية لموجة الجفاف التي تضرب أوروبا , أن العديد من الدول الأوروبية سوف تشهد نوع من عدم الاستقرار , بل وارتفاع جنوني في الأسعار (التضخم ) , وقد يترتب على ذلك موجة من اللاجئين الأوروبيين إلى العالم الجديد (أمريكا , استراليا , كندا ..) , وقد تصل موجة اللاجين إلى دول العالم الثالث .