الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وهو السبب الرئيسي في رفض إبليس السجود لأبونا آدم عليه السلام حسداً ، وأول ذنب عُصي الله به في الأرض ، وهو الذي جرأ أحد ابني آدم عليه السلام على أخيه فقتل قابيل أخوه هابيل ، وجعل إخوة يوسف عليه السلام يلقونه في الجب.

وقد نهى الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام عن التحاسد والتباغض وأمر بالأخوة بين المؤمنين ؛ لأن الحسد سوء أدب مع الله ، والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون، فلا تتعبوا وترهقوا أنفسكم بالمقارنات ؛ فكلما اتسعت أعينكم ضاقت صدوركم ، وارضوا بما قسمه الله لكم تكونوا أغنى الناس.
قال صلى الله عليه وسلم: “إياكم والحسد ؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”. رواه أبو داود (4903).

وسبب الحسد هو تحرُّق القلب واستكثار النعمة على المحسود ، وينبع من الحقد والبغض وتمني زوال النعمة عن الغير.

وبيئات العمل المختلفة يكثر فيها الحسد والغيرة والأنانية والعصبية والكبر والتفاخر من قبل أعداء النجاح ، فكلما رأوا إنساناً ناجحاً ، أو أفضل منهم حاولوا خلق واصطناع العثرات والعقبات للناجحين ؛ تارة بالغيبة والنميمة ونقل الكلام السيئ الذي يسبب قطع العلاقات بينهم ، وحقد بعضهم على بعض ، وعدم التعاون وتشويه صورة هذا الموظف الناجح ؛ وتارة أخرى بإلصاق التهم الكاذبة به ، ونسبة الإخفاق في العمل إليه.

قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). (النساء: 54).

فيجب على الموظفين والموظفات أن يقفوا مع أنفسهم وذواتهم وقفة محاسبة وينتقلوا من الحسد والغيرة والأنانية والعصبية إلى التنافس الشريف في العمل ، والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد ، والرضا بما قسمه الله عز وجل للإنسان في الحياة ليكونوا أسعد وأغنى الناس ، ولا ينظروا إلى ما في أيدي الآخرين من النعم قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي: لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا ، ولا تشغل نفسك بالنظر إلى نعم الآخرين ، حاسداً أو معجباً أو مقارناً بما لديك ، فكلما اتسعت عينك حسداً ضاق صدرك بالمقابل ، وإنما تشكر الله على النعم الموجودة وتسأله التوفيق والسداد.

قال ابن الجوزي رحمه الله: “واعلم أنه لا يقع الحسد إلا في أمور الدنيا ؛ فإنك لا ترى أحداً يحسد قوّام الليل ولا صوّام النهار ، ولا العلماء على العلم ، بل على الصيت والذكر”. الطب الروحاني ص23.

وقال حاتم الأصم رحمه الله: “رأيت الناس يتحاسدون فنظرت في قوله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فتركت الحسد؛ لأنه إعتراض على قسمة الله”. مختصر منهاج القاصدين ص٢٨.

وقال أبو حاتم رحمه الله: “والحاسد لا تهدأ روحه ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه”. روضة العقلاء ص133.

والحسود الذي يعتصر قلبه حسداً يظن أن الناس كلهم حساد ، فمتى رأى من إنسان شيئاً حمله على أنه بسبب الحسد.

ولهذا أمر الله بالاستعاذة من الحاسد قال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد). الفلق :5.

قال الماوردي رحمه الله: “اعلم أن الحسد خلق ذميم ، مع إضراره بالبدن وإفساده بالدين، حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شره كما في الآية”. آداب الدنيا والدين.

وقال ابن القيم رحمه الله: “العائن حاسد خاص ، وهو أضر من الحاسد ، ولهذا جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن لأنه أعم ، فكل عائن حاسد ولا بد ، وليس كل حاسد عائناً ، فإذا استعاذ العبد من شر الحسد ؛ دخل فيه العين ، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته”. بدائع الفوائد (2/485).
أيها الموظفين الفضلاء: الحياة قصيرة وجميلة عندما نعيش فيها بقلوب نقية صافية بيضاء خالية من الحقد والغل والحسد ، قلوب عامرة بذكر الله تحب الخير للآخرين.

جميلة هي الحياة عندما نحب الناس ويحبنا الناس ، ونشتاق لهم ويشتاقون لنا ، وعندما نراعي مشاعر الآخرين ، ونفرح لفرحهم بالنجاح.
ورسالتي للموظفين والموظفات: اطمئنوا ولا تقلقوا ولا تحزنوا رزقكم الذي كتبه الله تعالى لكم لن يأخذه أحد غيركم ، ففي الحديث أن رزق الإنسان كتبه الله قبل خمسين ألف سنة من ولادته ، ولن يموت الإنسان حتى يأخذ ويستوفي رزقه وأجله.

فالأرزاق مكفولة ومحفوظة ومقسومة ومقدرة كالآجال، ولو فر الإنسان من رزقه كما يفر من أجله لأدركه رزقه كما يدركه أجله.

قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا). أخرجه الطبراني8157.

ورسالتي للمدراء والمديرات: اعدلوا بين الموظفين والموظفات في التعامل وتوزيع الحوافز والترقيات والبدلات والانتدابات والتكليف وخارج الدوام على الجميع حتى تكون بيئة العمل صحية وخالية ومن الحسد والحقد.

وأخيراً: تحصنوا بالأذكار الشرعية ، والإكثار من ذكر الله ، والصدقة ، والابتعاد عن نشر النعم التي تأتيكم في وسائل التواصل الاجتماعي.

اللهم إنا نعوذ بك من شر عيون تحسد وقلوب تحقد ونفوس تحمل الغل داخلها.