شاطئ مترامي الأطراف، أصداف متناثرة على الرمال المبلل بمياه المد والجزر المتلاطمة على صخر نحتته الأيام. أخذت أسير بأقدامٍ حافية مجردة، تلسعني حرارة الأجواء الملتهبة بذلك النهار الحارق. أسير أحث الخطى ومع كل خطوة أشعر بثقل خطواتي، إذ أن ترسبات الأيام أثقلت كاهلي، فكان الأثر واضح وجليّ على خطاي المتثاقلة.

وقفت على أطراف ذلك الشاطئ الثائر أمامي، أتامل البعيد هناك في مالا نهاية بحر شاسع، عميق، مظلم، قاعه يخفي في داخله الكثير من الغموض، تتوه به لا تعلم هل هو جميل كظاهره أم مخيف كباطنه. هذه هي الحياة بكل معالمها ومتاهاتها التي لا نعلمها كاملة، نسير بها بلا دليل مرشد إلى الوجهة الصحيحة، ولكننا ببعض الأحيان نطفو بجانب ذواتنا ونحاول ألا نغرق، ونتمسك بشيء من الامل طمعا في النجاة.

ذاك التأمل كان هو المواساة لقلبي الذي أنهكته المعطيات الحياتية الصاخبة. مرساة لروحي التي عصفت بها تلك الأمواج. تحليق شاهق لأفكاري عن الصخب القابع في دواخلي. عبادة بمثابة اللطف والرحمة لي.

نسير دوما في غياهب الحياة تتقاذفنا تلك الأمواج، فتارة قد نواجه ظروف تشعرنا بضبابية تجاه حياتنا؛ مما يصعب معه اتخاذ القرار الصائب؛ فنغرق في دوامة التشتت ولا نجد مجداف النجاة الذي ينتشلنا إلى بر الأمان ولكننا نقاوم.

في يومٍ ما، أدركت أن أجمل وأثرى دروسي جاءتني مغلفة بمحن شتى. أدركت أن قاعي على الرغم من امتلاءه بالعراقيل والظلمة إلا أنني كنت موقنة أن الرؤية ستتضح لدي ويمتلئ طريقي نور قطعا.

أدركت أن لكل مرحلة من مراحل الحياة فصول متعددة ومختلفة، وأن لكل فصل طقس متفرد بذاته عن الآخر والفطن من تأقلم مع كل فصل من تلك الفصول.

أدركت أن الحياة قصيرة ومن الظلم والإجحاف أن نقضيها ونحن نمسك بها من الجانب المؤلم. أدركت أن الوقوف والبكاء على الأطلال هو مضيعة للعمر، وإطفاء لوميض الحقيقة حتى لو كانت مرة.

التجاوز إلى الضفة الآمنة هو الحل الأمثل لكل صعب. في أيدينا نحن فقط أن نجعل كل الذي كان إجبار بالنسبة لنا اختيار في أيدينا، أن نجعل من أيامنا حكايات تحدي وصمود تضاف إلى رصيدنا في بنك الذكريات. بأيدينا أن نجعل القادم من حياتنا له قيمة وأثر.