نمر جميعاً بلحظات فرح يعدها البعض عابرة ولا يحسب لها قدرها! فتمر عليه مرور الكرام، ظناً منه أن الفرح لا يتأتى إلا بتحقيق مكاسب معينة رسمها في مخيلته واقتنع من داخله ألا فرح دونها.

إننا بهذا التعاطي مع الفرح نقتل شعور الفرح باللحظات القليلة والبسيطة والتي تعد ركيزة أساسية لأيام من الفرح وربما باقي حياتنا، إن استشعار الفرح وإعطائه حقه يؤدي بنا إلا السعادة وتعزيز التفاؤل المستمر مع ما يعترينا من أكدار الحياة ومشقاتها.

وعلى النقيض لماذا نتألم ونعيش لحظات صعبة حال وقوع الضرر؟ ماذا لو كانت الحياة بدون ألم؟ وما فائدة الشعور بالألم؟ تخيل نفسك عزيزي القارئ وقد سقط حجرٌ على ناصية رأسك وانسكب منها الدم، ومر ذلك الموقف دون إحساس منك ودون أي رد فعل تجاهه! هذا ما يسمى بالطب “اللاشعور بالألم” (Conqenital indifference to Pain) بسبب تلف الأعصاب الأمر الذي يحول دون الإحساس بالآلام ما ينتج عدم القدرة على إدراك الخطر لانعدام النظام الداخلي للتحذير المتمثل بالشعور بالألم، الأمر الذي جعل من الألم هبة نشكر الله عليها لما لها من أثر كبير للخروج من المعاناة ومعرفة سبيل العلاج من الأوجاع.

إن كوابيس انعدام الشعور بالألم كما وصفها الطبيب بول براند في كتابه (هِبة الألم) (The Gift of Pain) والذي صال وجال بين قارات العالم المختلفة يعالج مرضى انعدام الشعور بالألم واستعادته لهم! فرصة للنظر إلى الألم بوصفه ليس عدواً إنما صديقاً يجب التعايش معه، وبسبب أمراض منها الجذام والسكري واضطرابات الأعصاب وإصابات النخاع الشوكي وغيرها، والتي تعمل جميعها على تدمير مستشعرات الألم لدى المريض، يؤدي فقد الإحساس بالألم لمخاطر عدة من أهمها الإصابات المباشرة مثل الكسور والحروق والعمى ومختلف الجروح.

أورد الطبيب بول براند في كتابه عدداً من القصص واللحظات المحزنة التي عاشها مع مرضى من بلدان عدة وتجاربه معهم، منهم من فقد الإحساس تجاه أعضائه، وقد يتجه المريض للقيام بممارسات تعود بالضرر المباشر عليه دون إحساس منه، ويرى أنها مجرد أعضاء لا فائدة منها، فمنهم من بترت أطرافه ومنهم فقد حواس كالبصر وغيره، ويروي الطبيب تجربته بالتخفيف من السلوكيات المضرة بهم أو إنهاء معاناتهم مع اللاشعور بالألم، ويناقش أيضاً مجموعة من التساؤلات التي تدور حول الألم هل هو هبة أو امتحان؟ ولماذا علينا أن نعتبر الألم عدو بينما هو في الحقيقة صديق حميم جداً!؟ وهل من الممكن أن تصور عالماً بدون ألم؟ وتحدث عن دور الألم في نظامنا الجسدي، والحسّي، كما قال: “الألم ليس هو العدو، إنما هو رائد مُخلص يُبلغك عن العدو!” تفاصيل كثيرة تجعلك تردد بين ثناياها سبحان الله الذي جعل للألم حكمة ورحمة.

كما تطرق الدكتور “بول براند” للدور الكبير والمهم للمجتمع والنظام الاجتماعي في التخفيف من الألم وتسريع عملية التعافي، في مقارنة بين مجتمعات الشرق والغرب، حيث قارن بين معاناة المريض الهندي البسيطة في مقابل المريض الغربي الكبيرة للتعايش مع المرض بسبب الحالة الاجتماعية لكل منهم.

حاول عزيزي القارئ أن تتعايش مع الألم، وألا تؤجل لحظات الفرح فالفرح لا يتجزأ ولا يؤجل، لا تقتل الفرح بكتمانه أو تأجيله لا تنتظر تحقيق غاية هي في علم الغيب لتفرح! وقد ينتج عن عدم تحقيقها نوعاً من الانكسار النفسي وانعدام الثقة مستقبلاً.
اجعل من الفرح نافذة لا حدود لها نحو تحقيق ما تصبو إليه ورسم الإيجابية لمن هم حولك، وكن مصدر فرح لغيرك حتى في أحلك الظروف والمواقف.

الفرح لا يعني أن نعيب الآخرين ومن حالت ظروفهم دون الفرح لحظة شعورك به، ولا يعني ألا تهتم لأمر أخيك والسؤال عنه وعن حاله وما يمر به.

شارك لحظات الفرح مع محيطك، كما تشاركهم لحظات الحزن عند فقد أحدهم أو لعلة أصابته، فتلك لحظة سرور وهذه لحظة انكسار تتعامل معها النفس البشرية على قدر من الاهتمام والتأثر، ومثلما يتأثر القلب بالفقد والعلة ما يترك أثراً قد لا يزول لأعوام؛ يتأثر أيضاً بالفرح ويعتاده.

افرح بالصباح والمساء، افرح بكوب القهوة والشاي، افرح بالكتاب الذي تقرأ، افرح لما تشاهد وتستمع ويضفي عليك نوعاً من السرور ويرسم الابتسامة على محياك، افرح بعائلتك وأقاربك وأصدقائك، افرح بمساعدة غيرك ولو باليسير.

تعلم فن الفرح ومظاهره واصدع به، تدرب على الفـرح من خلال فرحك بأبسط الأمور.

الفرح صفة كمال ولهذا يوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها كفرحه بتوبة عبده التائب كما يقول ابن القيم رحمه الله.

يقول الروائي البريطاني سومرست موم: من أكبر أخطائي أني كنت أمر على لحظات الفرح مروراً عابراً، وأعيش الحزن بكل مشاعري!

أخيراً:

كن سفير فرح لكل من تلقاه فصناعة الفرح فن لا يتقنه الجميع، واعتبر الشعور بالألم هبة من الله ونعمة تستحق الشكر والامتنان، وتعامل مع الألم بصورة إيجابية واعية.