أصعب قصة في حياتنا نعيش “تراجيدياتها” بين دواخلنا لتحرق أقفاصنا الصدرية ألما وتلتهب فيها مواجعنا ..

تمر بنا ساعات العمر نعيش على أمل الغد الذي ننتظره دون جدوى حتى تتكشف لنا سوءته..وحين يأتي الأسوأ يكون أكثر إيلاما على النفس ..

عشت ليلة العيد هذا صدمة كبيرة حين تلقيت هاتفا بوفاة خالتي منيرة بنت هديب الدوسري شقيقة أمي ..

رحلت خالتي ورحلت معها أجمل قصص الحب والتضحية والتفاني ..

إقترنت الخالة الراحلة بالعم حجي بن سعد الدوسري ذلك الرجل الشجاع والنبيل بأخلاقه وكرمه ورقي تعامله..عاشت معه أجمل ايام حياتها حتى رحل عنها وهو في ريعان شبابه ..

تركها وحيده مع إبنين لم يبلغا وقتها سن الرشد تتلاطمها أمواج الحياة وهي لاتزال في صباها ..

لكن حبها لزوجها الراحل وأبناؤها منعاها أن تفكر بالأقتران مرة أخرى. فآلت على نفسها ان تعمل ولو بالشيء اليسير كي لاتترك لولديها “رياض ومحمد” يعيشان الفقر والعوز ..

أدركت خالتي أن الحياة صعبة والعمل شاق وهي بين نار العوز والأبناء الذين ينتظرون عودتها بفارغ الصبر ..

لكنها تحملت كل المشاق ..لم تتنظر من احدا أن يكافئها حتى من وظيفة زوجها التي ظُلموه فيها وهو الضابط المظلي المقاتل في صفوف الجيش السعودي آبان حرب الكرمة والحاصل على انواط الشجاعة ولم تحصل حتى على تقاعده الذي كان سيكفيها مشقة الكدح في الحياة ..

لإن شخصية عسكرية أقل منه رتبه لم تقبل أومره العسكرية فدبروا له بليل إنهاء خدماته ..

هكذا تحملت خالتي كل الآلالم وكفكفت دموع القهر عن زوجها حتى شاركته كل المواجع ..لكن قهر الرجال يبقى في الصدور كالنار التي تحرق كل شيء فلم يتحمل ماوقع عليه من ظُلم فمات وفي دواخله حرقه ..

وحتى في حقوقها من ورث أبيها لم تجد من ينصفها وهي تطالب به دون مجيب بل وجدت المراوغات والتملق والصفاقة كي يطمسون على حق شرعه الله لها ..

ماتت خالتي منيرة الإنسانة الحنونه وطيبة القلب ..

وماتت معها اروع قصة تضحية وحب وفي نفسها غصة على كل من ظلمها في زوجها وأبنائها وورثها الشرعي الذي تلاعبت به أيادي العبث والاستهتار ..

رحلت خالتي وتركت لهم كل شيء وكأنها تقول لهم ظلمتموني وأبنائي في حق زوجي أولا ثم حق أبي ..

خذوا كل شيء وافرحوا به ..فموعد اللقاء قريب ..

رحمك الله ياخالتي العزيزة …

كنت أشنف أذناي كل صباح بدعواتك الجميلة وصوتك المليء بالأمل ..

إستمعت كثيرا لنصحك وانت الأم الرؤم لنا بعد رحيل أمي ..

عزاؤنا في هذه الفانية ان تركتِ فينا ابناؤك الذين يحملون جينات أبيهم في الطيب والمحبة والكرم ..وكثيرا من جيناتك في التسامح وحب الناس ..وكفى