كان رحيل وليم غمام الظلام على الريف إنها الأرياف فيها تفاصيل دقيقة يعرف زواياها كل من عاش وترعرع في حدائقها الساحرة ، إنها التقارب والألفة والحب والجمال والصفاء ، كان الرحيل موجعا ينخر الألم في الصدور .

إنها الأيام تتداول و تكتب الأسماء في مدافن الذكريات ، عاد الجميع إلى أكواخهم و عادت هايدي وحيدة يلاصقها الحزن مثل خيط العنكبوت قد أغشى فؤادها حتى بات ضبابا يجعل النبض ألماً يسكبه الأنين ، توقفت فجأة ، هناك دوي النداء بعد الرحيل تردده الآهات حتى يكون الالتفاف إلى الوراء يجعل القناعة تودع كل شيء .

دخلت الكوخ مازال فانوس الوداع يقيم في مأتمه والحزن والوحدة يعبث خيالها في النفس مثل أطفال البراءة كل شيء في الكوخ أصبح يشحذ الذكريات بتفاصيلها الدقيقة .

إن صدى الكلمات الجميلة يشع بوحها والأفعال تستشعر الدفء بأنفاس يثير دخانها غبار الذكريات ، لقد شيد الحزن أبراجه بين القش وأرسى دعائمه في حضن الأسى وكان الألم الوانه داكنة في لوحة الوجدان ، هناك غريزة بشرية تقودها العاطفة نحو بقايا الأشياء للراحلين كانت الخطوات تسير إلى خزانة الملابس هي بقايا فيها الأنس موجع فتحت الأبواب وبدأ الذهول في روائح العطر وورد الحب رذاذا يسقي النفس بمائه الرضاب كل قطعة لها تنهيدة وقصيدة تكتبها العبرات في سطور الخيال ، لم يكن الصمود طويلا حتى دخلت في نوبة البكاء البريء . إنها الحياة تعبث بها الأقدار على غفلة من الوقت داخل الكوخ فتُبكي الأطفال في قلوب العاشقين . وقفتا في الباب ( إيلين ) و ( كاثي ) يتاملون الصورة التي هي حروف يقرؤها النحيب بسمفونية العزف المميت هناك حروف تنازع الكلمات فتكون غصة في الكلام .

لقد امسى وليم في قبره وبقي الحنين ماءه سراب في بحار الهوى . جلست الأم إيلين منهكة حاولت كاثي أن تقول شيئا ولكن التعبير في هذه اللحظه قد جردت حروفه من نقاطها وتلعثم اللسان في نطقها ، كان الصمت مهيباً وبكاء هايدي له أزيز ، حضر جاك يقدم العزاء ولكنه يهذي ببعض العبارات حتى بات الجنون يداعب عقله إنه عربون العناد في تجارب الألم . جلس جاك على سرير صغير كانت النظرات تكتب العتاب بصمت بينه وبين هايدي تنحني العيون خجلاً عندما يعجز الرد وتدمع أسفاً لكل شيء . غابت شمس وليم واختلط الشعاع احمرارا بالشفق . وعاد الكلب الصغير نبح في مدخل الكوخ وربض بجانب هايدي بعد أن أخذ حذاء وليم يشتم رائحتها ، إنها بقايا ذكريات تلتحفها المواجع ويقف العجز يتأمل الصور فيها ، الكل صامت هناك فانوس الوداع ذابل فتيله .

همس جون في أذن كاثي هل هناك شيء من الطعام في الكوخ ؟ أجابت بنعم .

ضم زوجته كاثي واستعد بنفس عميق حتى غلبته الدموع على اخيه ولكنه ربط جأشه واستعاد قوته وأطلق الكلمات ينثرها داخل الكوخ بصوت فيه نبرة حادة بينها وبين البكاء شعرة يقرأ لحن وترها نغم الشعور ، تحدث جون بصوته البح انه يجب أن يكون الجميع أقوياء لقد رحل وليم لابد أن يعيش الجميع من أجل الحياة في الريف من أجل الأمل حتى يستمر العطاء ويكون العيش للأجيال وردا جميل لابد أن نحلم وأن نعمل و أن نبقى أسرة واحدة يضمها الحب والنقاء والاحساس . حاول أن يوجه الحديث الى هايدي ولكنه صمت و نظر إلى زوجته كأنه يرسل الهمس إليها أن تحتضن البكاء في قلب هذه الجريحه ، استجابت كاثي وحلقت بيدها كطوق ازهار يحتاجه النحيب حتى يسكن ، بدا يهمس بالحديث رقة اليها أنتي أيتها الجميلة أيتها الأنيقة في حياة الريف.

أيتها الحالمة في خيال الامل ايتها الشجاعة الصامده في هذه الفواجع ايتها الحسناء التي تحمل في احشائها صورة الحب صورة الحياة من بقايا وليم .
تذكري يا هايدي انك حامل يجب أن تدركي أن هناك وليم آخر سوف يكون في حياتنا يجب أن تعتني به لابد أن تكون الأزهار يقظة في الكوخ تسقينها بالصبر ، اصمدي من أجل وليم من أجل الجميع من أجل هذا الطفل ، كانت دموعه فاضحة للألم عندما لمح الورقة التي كانت في جيب أخيه لقد جعلها الماء منزوية ، ولكن كلماتها تنير طريق الحياة وحروفها رسمات تعيد الانامل الى الذكريات ، كان جون قويا في حديثه تحتاج المواقف في الحياة أن تسمع مثل هذا يجب أن تستمر حياة الآخرين الذين ليس لهم ذنب في الكوارث والفواجع .

احتضن أباه جاك وأمه إيلين وهمس انه لابد أن يستمر العطاء . كان الكلب الصغير صامتاً تذكر أباه وتذكر وليم وربض في زاوية الكوخ وكان يئن عندما شاهد الجميع يواسون بعضهم هناك زوايا مكسورة تزداد اتساعاً وتشقق عندما لايكون أحد يجبر كسرها .

خرج الجميع وبقي الكلب مع هايدي في الكوخ ، لقد طرد الفراق النوم من عينيها وأشرق الصباح و الطيور تزقزق الحانها حزناً أم جنون الطرب والإشراق .

لقد تغلغل الألم في النفس حتى خارت القوى في ضعف حاولت هايدي أن تنهض ولكنها متعبه بدأت الحمى تغزو جسدها النحيل وعادت كاثي بعد أن انتصفت الشمس في سمائها مازالت هايدي في الفراش إنها حمى الألم ، ذهبت وجلبت معها حساء ساخن بالفطر ممزوجا بالقرنفل كان طبق وليم عندما يحين الغداء ، هناك بقايا تعيد القوة بذبذبات ضعيفه ، سألتها كاثي هل تحتاجين إلى طبيب طمانتها هايدي أنها تحتاج الى قليل من الراحة فقط ، تحسست بطنها هناك نبض جميل يُشعرها بالاطمئنان ابتسم ثغرها وفاضت عيناها أحاسيس و مشاعر وبادلتها كاثي بابتسامة فيها لطف وحنان ، لقد كان حديث جون شعاع الإشراق في نفسها يجب أن تستمر الحياة في ركضها مرت الأيام و هايدي تبني الامل في نصف حلم تعيش على بقاياه إنه هذا الطفل الذي يرسل الحراك نبضات في ظلامه الحالك بأنه قادم يجب أن ينتظره الجميع وأن يكون استقباله حافلا بكل شيء ، بدأت هايدي تمارس حياتها اليومية وكل يوم يشرق تذهب باكرا للاطمئنان على الأب جاك والأم إيلين بعد أن تقطف الزهور من الحقل وتضع وردة على قبر وليم ووردة أخرى في مزهرية الكوخ بعد تدنوا نحو قبره تناجي الخيال بهمس الانين ، وفي طريق عودتها تطمئن على الحقول والكلب أنيس الحياه يركض ورائها ، حان موعد حصاد الفراولة الكل مستعد لهذا المحصول الذي كان ثمنه حياة وليم .

كان الصباح مشرقاً والندى يتراقص على اوراق الشجر عذوبة وجمال الكل يريد ان يذهب الى الحقل حان موعد الحصاد ، جاك وهايدي و إيلين وجون و كاثي يحملون صناديق لجمع الفراوله ، الكل يساعد جاك هناك ضجيج بالغناء في حقول لأهل الريف الكل في سعادة وانشراح حتى الكلب الصغير يركض بين الحقول ، استمر الحصاد ثلاثة ايام كانت جميلة كجمال الفراوله ، وعندما تم تعبئة الفراوله أخذها جون وهي براقة حمراء فاتنة مذاقها ترقص من حلاوتها الألسن حتى يكون اللعاب مزيج خمر يذهب العقل غراما في المذاق . ووضعها في عربة كبيره حتى يكون في محطة القطار لرحلة إلى المدينة وسوقها الجميل لكي يكون الثمن نقودا تشتري الاشياء . وتعطي الهدايا ، كانت كاثي تحس ببعض التعب ووجها شاحب وبعض الآلام في ظهرها قرأت التعب هايدي في وجهها وقد علمتها التجربة بمثل هذا التعب و همست لها هايدي بابتسامة ساخرة بأنها حامل فلا تقلق مسحت كاثي الخجل من وجنتيها وذهبت مع جون إلى المدينة لكي تطمئن في العيادات الطبيه ، وصل جون و زوجته الى محطة القطار وحمل معه صناديق الفراولة في عربات القطار وجلس في المقعد الذي كان ذات يوم جلس فيه وليم وبجانبه كاثي بينما هو يعبث في جيب المقعد حتى أخرج قصة قصيرة ، إنه قطار الأحلام قطار العشق الذي يستهوي الحب فيه أنامل الكتاب والأدباء.

إنه مكتبة متحركة يطرب فيه المسافرين بالحب والغزل والقصة والرواية والشعر والخيال بدأ جون يقلب صفحاتها لم تَرُقْ له أعادها بسرعه في مكانها ، اطمأن على كاثي قبلها الكل في القطار صامت شد حزام بنطاله ، هناك حبات من الفراولة في كيس صغير أخذ واحده أكلها أخذ الأخرى مد يديه إلى القصة مرة اخرى اشتم رائحة الغلاف فيه صورة لطفلة صغيره تصتاد الفراشات ، فتح القصة بدأ يقرا وضع رجليه على بعضها ولسانه يحرك الفراولة استمتاعا في لذتها زاد تركيزه عندما كانت المقدمة كلمات فيها مشاعر الحب عن الاطفال بدأ الصمت في سكون القراءة وكانت القصه من روائع السرد والخيال ، هناك أحلام تختزلها رحلات القطار .

الى ،،، يرقة أخرى في ريف الاعمى الذي يحلم أن يرى السماء .

ابتسم أيها الانيق
هكذا نعيش في الحياه