استيقظت قبل أيام قبيل الفجر على صوت نشيج وبكاء يصدر من حجرة ابني البالغ من العمر 23، قلقت كثيرا وانتابني الهلع. دخلت عليه حجرته وجدته منكب على سريره غاطسا وجهه بالمخدة يبكي بكاء مريرا، جلست بجواره أسأله لأستوضح الأمر.

كنت أقف أمامه أكاد أنهار من شدة خوفي ما الذي جعل ابني بتلك الحالة، وبعد عدة محاولات رفع رأسه والدموع تغرق وجهه قائلا لي: “لقد مات صديقي بحادث سير قبل قليل.”

صمت لبرهة تضاربت الأفكار في رأسي، لم أعرف ماذا أقول له أو ماذا عساي أن أفعل يا لقسوة هذه الحياة. لم أجد كلمات لأقولها له في حينها فقد اكتفيت بأن ضممته لصدري وقلت له: ادعو له بالرحمة فهو الآن بين يدي ربه الذي هو أرحم من الدنيا وما فيها.” حاولت تهدئته ولكن مرارة الفراق والفقد لا تعادلها أي مرارة.

من أصعب المشاعر وأقساها ألما أن تستيقظ يوما على رحيل أحدهم دون وداع، هذه المغادرة المفاجئة تعتصر القلب وتوهنه. انه الرحيل من الدنيا بدون مقدمات.

كلنا يعلم أن الرحيل ما هو إلا مسألة قطعية ومحتومة على الخلق أجمعين. ونحن ندرك تماما بأن تلك الأرواح لا ترحل إلا و قد استوفت حقها المقدر لها في الحياة.

وكذلك نعلم أن الرحيل سريعا لا يقع عبثا فالأعمار بيد الله سبحانه، إن الرحيل بلا وداع وبلا مقدمات يترك جرحا عميقا لا يندمل مهما حاولنا.

الحياة قصيرة، أقصر من أن تخبئ فيها كلمة، أقصر من أن تكتم بها شعورا حتى لو عشت مهما عشت وأكثر فدائما ولا بد أن يكون هناك نهاية، وتلك النهاية هي من تجعلنا ندرك أن الحياة مهما طالت بنا ستظل رغم ذلك قصيرة في نظرنا، وكل ما علينا إدراكه هو أن نعد العدة لذلك اليوم الذي سنفارق تلك الحياة.

اترك أثرا طيبا، أسعد الناس، أورثهم شيئا رائعًا، إنك حينها لن تخرج من الحياة إلا وقد أضفت إليها شيئا يبقى من بعدك، شيئا يبقيك حيا.