في عطلة الأسبوع الماضي وتحديداً بعد حلول المساء كنت عند أسفل جبل وهو مكان جميل ذو إطلالة على رمال صفراء ممتدة تُسرّ الناظرين، وهو ضمن جبال شاهقة تقع غرب تبوك، وهي منطقة جميلة ذات كثبان رملية تشقها الجبال وهي تحتوي على أماكن جميلة للتنزه البري، وبعد أن اكتسح الليل النهار وغطى سواده هذا الجبل الذي لم يتغيّر مكانه منذ أن غرسه ملك الجبال في الأرض، وقد امتزج السواد مع احمرار الغروب، فحلّت علي امرأة رثّة حافية القدمين مكتوب على جبينها ” العنوسة ” لم تكن من عادتي أن ألقي نظرة فاحصة لامرأة ليست محرم لي.

في ذلك المكان الموحش أرعبتني تلك المرأة وعبارتها المكتوبة على جبينها، فتصرّفت لا إرادياً فقلت لها: مَن أنتِ، هل أنتِ إنس أم جنّ؟ فقالت: أنا العنوسة التي عززتم من مكانتي بسبب عزوف معظم الشباب عن الزواج، وغياب روح المسؤولية لدى البعض من الذكور والإناث، وظاهرة البذخ في التكاليف والنمط المعيشي المرهق في ظلّ غلاء يزداد يوماً بعد يوم، وشبه غياب لظاهرة التعدد، حتى أصبحت معظم المنازل فيها من الفتيات اللاتي مِنهنّ مَن فاتها قطار الزواج وأخريات على الطريق.

وذكرت تلك المرأة أن من أسباب العزوف عن الزواج: هو ظاهرة مجاراة الآخرين الذين هم أكثر دخلاً، فالواجب على تلك الأسرة الناشئة أن تكيّف نمط معيشتها وإدارة شؤون مسيرتها وفق إمكانياتهم المتاحة، وأن يعيشوا حياتهم بمحبة وسلام ورضا بما قسمه الله، وأن لا يتحسروا ويشغلوا أنفسهم بما لا يملكون وربما هو صعب المنال.

فزاد ارتباكي فما كان مني إلا أن أطلقت سيقاني للريح قاصداً أم (العوال) في السفح الآخر من الجبل حيث مقر نزهتنا هناك، وعندما أصبحتُ واضحاً للعيان أمام (أم العوال) وقبل أن تنتبهَ لي وقفتُ وقفةً كبريائية كالأسد ظاهرياً وداخلي لا يعلمه إلا الله وزأرت في وجه المرأة الغريبة غارساً قدميّ في الأرض بصلابة وسألتها مرة أخرى بغطرسة ماذا تريدين مني: فأجابت بنفس الإجابة السابقة، فزاد ارتباكي داخلياً فبدأت تقترب مني غير آبهةٍ بكبريائي، فلم يتحمّل كبريائي الكاذب بشاعتها فانفجر وبعد أن كُنت مهاجماً أصبحتُ في حالة دفاع هزيل.

فاقترحت عليها اقتراحاً لا أعلم كيف خطر على بالي، فقلت لها: اذهبي إلى الشيخين أبا يزن وأبا عبد الله وهما من فُضَلاء جيراني في الحيّ، فقد زادهما الله بسطة في العلم والجسم والفصاحة والقوة، فامتعضت أم (العوال) من السجال الذي طال بيني وبين المرأة الغريبة فنهرتني فانطلقت لها جرياً فسمعت المرأة وهي توجه لي كلاماً جارحاً حيث قالت: (خَبَل) لا يُعوّلُ عليه خيراً، فلازمتني صدمة أعرفُ علاجها ولا أعرف كيف أتعامل معه.