على مدار سنوات من حياتي العملية السابقة عاصرت الكثير من الشخصيات التربوية البعض منهن كان لهن باع طويل في العمل الدؤوب والعطاء المستمر، شخصيات قيادية وتربوية من الطراز الأول، شخصيات تكاد تعد على أصابع اليد لكنها لا تعرف للتقاعس عن العمل طريق، ولا تتوانى في إسداء النصح والإرشاد لكل من حولها. التقيت بمن لهن من الحكمة والبصيرة والإدراك ما جعلني أخرج بمخرجات رائعة بحياتي العملية على وجه الخصوص.

لقد تعلمت وتتلمذت على أيادي البعض واغترفت من خبراتهن الكثير، أطلقت عليهن حينها مسمى الجيل النادر والرعيل الأول؛ لأنهن لم يكن عاديات أبدا بل رفيعات المستوى يتمتعن بسمات تربوية عالية وبصورة فريدة لا نظير لها في قطاع تربية الأجيال.

واليوم أيضا وبفضل الله جمعني القدر بشخصيات أخرى أكثر جمالا وأكثر عطاء مما سبق.

قبل أيام بمحض الصدفة المطلقة وبينما كنت أجلس أنتظر قدوم سيارتي لتقلني إلى المنزل بعد انتهاء يوم عمل جميل وممتع للغاية، إذ بي أرى الأستاذة الفاضلة بثينة المشهراوي وهي وكيلة رائعة رأيتها تقف بالقرب ومعها إحدى الطالبات، كانت تتجاذب معها أطراف حديث جميل وحوار راقٍ جدا وبمعنى الكلمة لدرجة أن ذلك الحوار بالرغم من قصره إلا أنه أسرني جدا وأثراني بنفس الوقت، حوار لطيف ينم عن عقلية تربوية ناضجة أخذت دفة الحوار إلى بر الإقناع بأسلوب بسيط وسلس للغاية وخالي من التعقيد، كان توجيه بليغ لم تتبع فيه أسلوب فرض الرأي أو التعامل الجلف أو القسوة بأي شكل من الأشكال مع تلك الطالبة، فعليا كان أسلوبها متحضر جدا لدرجة أنني شخصيا اقتنعت بمضمون ذلك الحوار وقررت فعليا تطبيقه في حياتي الواقعية، وأيضا تيقنت أن هناك بصيرة نافذة استشفيتها من خلال حديثي القصير مع تلك الأستاذةالفاضلة .

بعد ذلك الموقف الذي شهدته بنفسي، كم هو جميل أن نلتقي بأشخاص هم كالبحر في العطاء ذوي طباع متزنة، سديدي القول والرأي، وأيضا لهم حكمة في الرد وكياسة في العقل لا يفتر نشاطهم، مضيئون في أعمالهم، لهم من الهيبة والوقار ما لهم، عند وقوفهم تغيب الفوضى ويحضر الهدوء عند حضورهم.

كم أحب أن اتعلم دائما على أيدي أمثال تلك الشخصيات ممن يمتلكون المهنية الثابتة التي لا نظير لها في قطاع تربية الأجيال.

من هذا المنبر أوجه كلمتي المتواضعة لكل من يقرأ، من الرائع أن يترك المرء خلفه لمسات إيجابية وإنجازات كبيرة. وحتما هناك أيام ستمر وسنقف ونتذكر البعض ممن مروا خلال رحلة حياتنا، سنقف عرفانا وامتنانا لهم ولجهودهم التي بذلت في التربية والتعليم.

ان بعض المواقف حتى وإن صغرت إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من القيم التي نحتاج لإظهارها بشكل أو بآخر، وهنا كان لزاما علي إظهار ذلك الموقف والكتابة عنه لترسيخ كل المعاني الجميلة للتعليم في نفوس الأجيال القادمة.