قدم فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام خطبة رائعة استهلها، بتوصية المسلمين بضرورة تقوي الله ومجاورة من يخاف الله، وحوار من بحترمك، ومشورة من يحبك، ومصاحبة العقلاء، وأن متخذ الصالحين أخلاء.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام سبحان من خلق الإنسان وصوره ، وبالإيمان زينه ونوره ، وبالعقل كرمه ، فهداه وبصَّره العقل هو قطب رحى التكليف ، وبفقده ترفع التكاليف ، وسمى عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن اقتحام الشهوات ، والإقدامِ على المكاره والمضرات, العقل – عباد الله – أساس إنسانية الإنسان ، وقِواَم فطرته ، ومَنَاط تكليفه به يفكر ، وبه يدرك ، وإليه يتوجه خطاب الشرع وتكليفاته ، ومن زال عقله رفع عنه القلم يقول الحسن البصري رحمه الله : لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه ، والعجب ممن يشتري بماله ما يفسد عقله.

وأضاف يقول إذا كان ذلك كذلك فإن المخدرات مما يهدم أركان مقاصد الإسلام يزلزل بنيانها ، ويهد كيانها وذلك يشمل جميع أنواع المخدرات والمسكرات من مشروب، ومأكول ، ومستنشق ، ومحقون ، وسواء أكان سائلاً ، أم جامدا ، أم أقراصا ، أم مسحوقا ، أم غازياً أخرج الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن الله لم يحرم الخمر لاسمها ، وإنما حرمها لعاقبتها ، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر .

وبين أن كل ما غطى العقل وستره فهو خمر ، وكل ما أسكر فهو خمر ، وكل خمر حرام ، فكل أنواع المخدرات داخلة في اسم الخمر ومسماه وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ” وفي الحديث المتفق عليه : ( كل شراب أسكر فهو حرام ) .

وأكد من أجل هذا فقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريم المخدرات وزراعتها ، وتصنيعها ، وتعاطيها ، ناهيكم بتهريبها وترويجها – عياذاً بالله – بل قال ابن عابد رحمه الله في حاشيته : من قال بحل الحشيشة فهو زنديق مبتدع.
وقال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله : وهي – أي – الحشيشة أخبث من الخمر من جهة انها مفسدة للعقل والمزاج.

ومضى فضيلته يقول معاشر المسلمين : عالم المخدرات عالم مظلم ، الداخل فيه مفقود ، والخارج منه مولود المخدرات جماع الشر ، ومجمع الضر ، ومستودع المفاسد ، وملتقى المصائب ، ومكمن الشرر والمخدرات : كل بلاء يصغر دونَها ، هي آفة العصر ، ومصيبة الدهر ، وقاصمة الظهر ، تذهب بالعقول ، وتهلك النفوس وأصل كل بلية ، وأساس كل رذيلة ، ومفتاح كل شر ، ورجس من عمل الشيطان ، توقع في العداوة والبغضاء ، وتصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، وعن كل عمل صالح في الدين والدنيا.

وأردف يقول كم في البيوت من أخبار حزينة ، وكم في الصدور من أسرار دفينة : ها هو شاب في مقتبل العمر مطيع لربه ، بار بوالديه ، مستقيم في أخلاقه ، متفوق في دراسته ، يعيش حياة جميلةً ، مليئةً بالتفاؤل والتخطيط ، وبين عشية وضحاها وقع في شباك رفاق السوء ، وأصدقاء الاثم ، ذئابٌ كاسرة ، خادعون واهمون ، فكانت بدايةَ النهاية ، تحولت الحياة الجميلة إلى أشباح ، وانطفأ ضوء المصباح ، وأصبحت الطاعة فسوقا ، والبر عقوقاً ، والأخلاق تمرداً ونفورا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله , وتلك فتاة مسكينة ، قرة عين والديها ، وأمل أهلها وذويها ، من أجمل البنات خَلْقا وخُلُقا ، اقترب منها الحاسدات ، وأحاطت بها الغاويات المغويات فوقعت المسكينة في الشِّراك ، وأصبحت ألعوبة في يد كل خادع وأفاك ، لا يدري وليها المسكين : ( أيمسكها على هون أم يدسها في التراب ).

وأكد أن المبتلى بهذه القاذورات ، لا يملك تفكيرا سوياً ، ولا قدرة على حسن الاختيار ، ألعوبة بيد تجار الموت ، الذين يجنون الأموال الملوثة والملونة بدماء الضحايا هذا المبتلى يخسر نفسه ودراسته ، ووظيفته ، وماله ، وسمعته ، وصحته ، وأهله, يعيش حياة الانعزال ، والإهمال ، والكسل ، والقلق ، والاضطراب ، حياته خمول ، وعدوانية ، واكتئاب ، وخوف ، وهلع ، محطم الإرادة أضرار بدنية ، ونفسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وبيئية ، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وواصل الشيخ الدكتور بن حميد يقول ومع هذا كله فإن المبتلى مريض يجب علاجه ، وليس مجرما يلزم عقابه.

وأوضح أن من أهم وسائل العلاج التمسك بالدين والقيم الأخلاقية ، والاستقامة على أمر الله ، والالتزام بشرعه ، وأداء ما افترض الله ، والبعد عن ما حرم الله ، وإذا ضعف وازع الدين سهل تقبل الأفكار المنحرفة ، والقيم الفاسدة, أيها المسلمون : والأسرة – بإذن الله – في حسن تربيتها لأطفالها هي الحصن من الآفات الاجتماعية التي سوف يواجهها أطفالهم في حياتهم خارج المنزل الأسرة – بعون الله – هي التي تدفع الخطر الذي يهدد حياة أطفالهم.
وأشار إلى أنه ينبغي على ولي أمر الأسرة أن يكون يقظا ، متابعا ، مدركا لمسؤوليته ، مبادراً في متابعة أولاده ، يقضي مع أولاده الوقت الكافي لرعايتهم ، والاستماع إليهم، والعيش معهم ، والاهتمامِ بهم ، وتبادلِ الحوار معهم ، ومواجهةِ مشكلاتهم ، وكَلَّ ما يشغل تفكَيرهم وكذلك ينبغي تنمية الحب والاحترام بينهم ، والابتعاد عن العنف والايذاء الجسدي والنفسي ما أمكن ، وتجنبُ العنف والشدة ، والسهرِ خارج المنزل ، يجب ملاحظة أصدقائهم وجلسائهم وقرنائهم ، والحذرُ من قرناء السوء فجليس السوء هو بيت الداء.

وأضاف كما ينبغي مساعدةُ الأسرة ، والوقوفُ معها في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، وتحسين معيشتهم من أجل تربية الأبناء والبنات على أسس أخلاقية سليمة ، وتهيئة العيش الكريم لتقي – بإذن الله- من شر السقوط في هذه الموبقات.

وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإسهام في العلاج والتوعية مسؤولية الجميع ، فالجهات المختصة لها دورها ومسؤوليتها أعانهم الله وسددهم ، المدرسة ، وأهل العلم في المساجد ، وأصحاب القلم ، والرأي ، والحقوق ، والاقتصاد ، والصحة ، والأندية الرياضية ، والثقافية ، والجمعيات المهنية بأنواعها ، رجالية ، ونسائية ، والمؤسسات الثقافية والإعلامية ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، والجمعيات الخيرية ، وكل غيور ومحب لدينه وبلده ، وأهله ، كل هؤلاء عليهم مسؤولياتهم في المتابعة والتبليغ والعلاج , كما ينبغي النظر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتهيئة فرص العمل ، والنظر في مشكلة الفراغ والبطالة.

وأكد الشيخ بن حميد أن بلادنا تقود حربا ضروساً واسعة ضد هذه الأفة على جميع الجهات الأمنية ، والاجتماعية ، والصحية مستهدفه إشراك عناصر المجتمع كافة تعمل بجد وحرص ، وتتخذ الإجراءات الوقائية والتربوية، والتوعوية بمخاطر هذه الأفة الفتاكه ، كما تقوم بتوفير الدعم النفسي ، والاجتماعي للمبتليين وأسرهم .

وقال في ختام خطبته إن قدرات رجال أمننا وأجهزة مكافحة المخدرات الفذة وجهودهم الجبارة مع زملائهم في الجهات المختصة الأخرى في مكافحة هذه الأفة يسجل إنجازات ، وتسطر بطولات ، بإفشال طرق المهربين والمروجين بكل أنواعها وأشكالها.

وأضاف أرقام مبهرة لهذه الأجهزة المباركة بقياداتها وافرادها في مختلف مناطق بلادنا مترامية الأطراف ، ومفتوحة الحدود براً ، وبحراً وجواً , وبعد رحمكم الله : مكافحة المخدرات هي قضية المجتمع كله فهي حرب تطهير شعبية فلا بد من التعاون التام مع الدولة في كل أجهزتها على هذا العدو .

وفي المدينة المنورة خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ أحمد بن طالب حميد ، مخاطبا المصلين بالقول .. أعلموا أنه من عبد الله حق عبادته أمده سبحانه بفيض إعانته كما قال عز وجل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) فأعانه الله على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعه من شرائعه وما استودع الله عبداً خيراً من قلبه ولا ستحفظ فيه وديعة أعظم من إيمانه فالقلب محل نظر الرب وخير القلوب أوعاها للخير ؛ وقد فرض الله سبحانه وبحمده على القلب عملاً من أعمال الاعتقادات وعلى الجوارح الظاهرة عملاً من الطاعات وأعظم ذلك وأعزه وأعلاه وأغلاه الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير لا والد له ولا صاحبة ولا شريكة ولا ولد ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء ولا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون.

وأضاف فضيلته يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في حقيقة ذاته (( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولايئوده حفظهما وهو العلي العظيم )) العليم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير ، وهو سبحانه فوق سماواته على العرش المجيد استوى وعلى الملك احتوى له الأسماء الحسنى والصفات العلى كلم موسى بكلامه وتجلى للجبل فصار دكاً من جلاله والقرآن كلام الله حقاً الذي أنزله بعلمه وأتمه مصدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد ؛ وعلم كل شيء إنه قبل كونه فجرى على قدره خيره وشره حلوه ومره يُضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به فكل ميسر بتيسير إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم ، بعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم فعلموا بهم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور كما بدأهم يعودون وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته ، خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته.

وتابع الشيخ أحمد بن طالب حميد الخطبة بالقول إن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم ، ومن رحمة الله بالمؤمنين في عرصات يوم الدين حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدّل الكفر بالإيمان وغير بالابتداع بعد الاتباع والنجاة عند الله لأهل الإيمان من قال بلسانه وأخلص بقلبه وعمل بجوارحه فلا إيمان إلا بقول ولا قول إلا بعمل ولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ، ولا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب إلا بما لا يجتمع مع الإيمان من اعتقاد أو قول أو فعل والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة وأرواح أهل الشقاوة معذبة بائسة كل في برزخ إلى يوم يبعثون ، وخير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين ولا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم فهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب ، والطاعة لأئمة المسلمين من علمائهم وولاة أمورهم في غير معصية الله والإتباع للسلف الصالح والاقتفاء لآثارهم والاستغفار لهم وترك المراء والجدال في الدين وترك ما أحدثه المحدثون كل ذلك حتم لازم .

واختتم إمام وخطيب المسجد النبوي الخطبة بقوله إن الله ختم الرسالة والنذارة والنبوة بسيد الأولين والأخرين وإمام المتقين سيدنا ومولانا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا وخليل ربنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي المكي الأبطحي ولادة ونوراً وبعثة وظهوراً والمديني هجرة وانتقالاً ودعوة وقتالاً ووفاة وانتقالاً للملأ الأعلى فطيب ظاهر أرض طيبة مسكناً وطيب باطن ثراها مدفناً صلى الله عليه وأله وسلم هو العاقب الحاشر المقفي نبي التوبة والرحمة والملحمة أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، أنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم هو المحمد الأحمد محمود عند الله وعند ملائكته وعند إخوانه من المرسلين ومحمود عند أهل الأرض كلهم فمن لم يحمد ذاته إيماناً حمد صفاته اضطراراً وهو صلى الله عليه وسلم مع اختصاصه مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره فأمته الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد وكذلك خطبه وكتبه ومصاحف أصحابه وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة ويفزع إليه الخلق لفصل القضاء يوم القيامة فيسجد بين يدي ربه ويحمده بمحامد يفتحها الله عليه حينها فيؤذن له في الشفاعة وهو المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون الآخرون فيحمده عليه حينئذ أهل الموقف مسلمهم وكافرهم أولهم وآخرهم فصلوا عباد الله وسلموا تسليماً على خير حامد ومحمود بما ملء الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح وبما فتح الله به من القلوب وكشف به من الظلمة واستنقذ من أسر الشياطين حتى نلتم به شرف الدنيا والآخرة.