جلس بجانبي منصتا فبدأت أشدو له من حنين الزمان إنها حياتنا الصافية من شوائب الضوضاء هي الفطرة النقية .

نظر إلي وهو يراني مسترسلا بلساني وجوارحي إنها الايام الخوالي ، كان إنصات مخلوطا مابين العجب والعتب ، وكأنه يقول من همس شفتيه هي حياتكم ونحن هكذا حياتنا ، مالي ولزمان تردده لي لأعيش مثله.

عشتم قدركم وحياتكم لا تحملني ماضي ممزوجا من كلماتك بين آسى وحنين وتعب وجوع تتذوق ماضيه بلذة الذكرى الان وقد كانت تشعرك بالنقيض هكذا نحن نعيش حياتنا في رفاهية مبجلة .

صمتُ برهة و أخذت نفس عميق أختالني الشوق في طريقاتة المعتمه لم يبقى سوى بصيص فانوس تدلى في كابة خدوش متهالكة بضوء في خيال الظلام كلما ودعت الشمس مدارها ويرحل معها الصخب لكي ينام الخوف في ثوب الشجاعة بعد الغروب.

يا بني كنا ننام في العراء وتحت السماء نراقب النجوم ونعرفها الثريا والسبعة والزهره والنجم أبو ذيل ننام على شبري صغير من طفي وحصير وذاك على قعادة بجانبه، واخر على أخرى، لا أبواب ولا حواجز دار يحيطها الزرب واعواد القش من سجف صغير ساتر وخدروش و عشة يطردهم البرد او الصهقة ( سيخه ) ليدخلوا فيها.

العَشاء بعد المغرب مازال الاحمرار في الشقق ليجعلك تتلذذ ببقايا الغداء وقليلا من الخبز او كسرة فاترة وفنجان من ثلاجة شاهي اسمها “نعمان” يحيط بها جموع من الحرس الثوري الاشتراكي المقاتل “القذة” ذلك النمل الصغير الذي يقاتل مثلنا من أجل أن يحصل على نصيبه من الشاهي ، نشربه كان له مذاق ونكهة ليس لها مثيل بعد أن نخبع هذه القذة بأصابعنا .

هناك سر عجيب تلفه الاقدار بحماية الله ودعاء البسطاء كانت الميكروبات والفطريات تهابنا خوفا على حياتها ، ويأذن العشاء ، و المسجد فرشه من حصير في فناء الساحه والآباء كانوا لا يعرفون كراسي الصلاة من تعب منهم صلى جالسا وهذه ندرة ، وقد تلى الامام بصوته الرخيم قصار الصور مازال الخزف رسماته في جباه الطفوله.

وفِي زاوية المسجد درج يرقى عليه المؤذن ليصدح بالاذان ساعاتهم عربي وزوالي ، وبلبلة غشاها الماء وقد نبتت في ظهرها بعض الاعشاب الصغيرة وبجانبها رياحيين وأواني من الفخار يسمى مطهر وكوز وخلف المسجد مكان للوضوء نصلي ونرجع نركض من اجل ان نستمتع بمسلسلات بدوية في تلفزيون ابيض واسود فيها الحكيم والشجاع ، ومن هنا نمت الاماني والامنيات في عقلنا هذا يريد ان يصبح طبيبا ذات يوم واخر يريد ان يكون مهندسا واستاذا وغيرها ولكنها الاقدار تطوينا وتسيرنا بعلم الله ومشيئته .

وبعدها يبدأ الخوف يغزي سرائرنا هناك سرق يغزون القرى ليس لدينا شي نخاف عليه ولكن فواجع الليل مخيفة وخاصة اذا تم سرد قصص الجن والسلعية التي كان يقال انها موزره بفدي ومشتمله بالاخر، خرافات نصدقها ومثلها عبله وأم الصبيان كانوا يصفونها بانها امرأة “مشعفلة” تخطف الاطفال وكأن الدواب تستمع معنا الى هذه القصص ليرد على هذه الحكايات بنباح كلب في طرف القرية ليؤكد الخوف في قلوبنا وتسمع للظأن صوتها وكذا الحمير وليس امامك سوى الاستسلام وأن تغمض عيناك وتخلد الى النوم .

يابني في حياتنا سينما واقعية من الخوف ويقابلها الرجولة تبنى في داخلنا، ولذا تجد الواحد منا عمره صغير وعقله عقل راشد كبير، كانت الرجولة هي معيار الصمود بين الأقران أن تكون حازما حاذقا وأن لا تغفو في تصرفاتك حتى لا تفقد الثقة ، كان إبن العاشرة في جيلنا يعتبر رجلا بالغ يتصرف بشجاعة ، فطين يقود مجموعة من أقرانه ويكون حارسا لجموع من الفتيات يتقدمهم يقوم مقام الولي في التوجيه والتصرف ، كانت حياتنا تخلو من الملهيات فالذكاء والحفظ والنباهة الشجاعة كلها حاضرة كان الجوع في زماننا صديقا لنا يعلمنا كيف نقتسم الخبز والبسكويت والريال بين الاثنين كان هناك كرم داخل نفوسنا نتغذى منه عندما نقتات من فتات العوز لتسد رمق الجوع في بطوننا ، إنها يا بني الحياة كانت قاسية لاننا ورثناها من رجال أشداء لا يرددون الكلمة مرتين، يوجهون احيانا بالنظرات فقط وأحيانا بالصوت العالي يبهزك عندما لا تجيد الفهم لتكون فراستنا هي من يترجم ذلك ، والخطأ ثمنه ضرب مبرح حتى يكون التكرار مستحيل، كأن الرحمة نزعت من قلوبهم ولكنها الحياة عندما بلغنا مبلغهم وصلت الينا رسائلهم بفن ووقار رحمهم الله جميعا.

مازال بقاءه في النفوس ماضي نزخرفه نتلذذ بروائح ذكراه عندما تكون الوحدة أنيساً ، فرقتنا الحياة كثيرا وزمنا طويلا ولكنها في لحظات اللقاء مع من جمعتنا بهم الطفولة في سنينها تعيدنا اطفالا كما كانت بفطرتها الغضة وسحبتها الجميلة لان صورنا في الذاكرة ما زالت بتفاصيل الوانها.

وانتم يا بني أذهبوا فأنتم الطلقاء في فضاء الكون وفي فضاء هذه الجوالات والتواصل الاجتماعي المسلوبة الحياء ، نزعت منكم أشياء كثيره ولكنها الحضارة ألبسناكم نحن إياها فتجد الأب الآن مسئول عن رعيته ورعايتكم ورعاية أحفاده .

ابتسم أيها الانيق هكذا نعيش في الحياه.