ما إن تتربّع على كرسي استقبال، أو تشرف على بيعة، فهي محطّ أنظار الذكور، وتحشرهم إليها مجرد ما يرونها، يتزاحمون عندها، ويغوصون في تفاصيل جسمها، وإن كانت بارزة شيء من مفاتنها، وتحظى بشيءٍ من الجمال فالمصيبة أدهى وأمرّ.

إن كانت تبيع سيشترون منها تقرّباً وطمعاً في رضاها، وإن كانت تشتري ستحظى بمعاملة خاصة، وإن طلبت مساعدة سيتنافسون في خدمتها، الآذان لها صاغية، وسهام العيون حول مفاتنها الساحرة لا تغيب، إن تحدّثت انصتوا لها، وإن دردشت فتحوا لها قلوبهم، ويذوبون في أحاديثها حتى وإن كانت (بايخة).

كم من أسدٍ أتت برأسه، وكم من نافش ريشه أمامها لقّنته درساً لا ينساه، أو دفع الثمن باهضاً، وكم من تائه أرشدته إلى طريق الصواب، وكم من ميسور الحال سلبت ماله وأنزلته منازل الفقراء، وكم من (داجٍ) أوصلته الأعالي، وأصبح ميسور الحال، هنّ النصف الآخر للمجتمع، وهنّ المجتمع كلّه، إن صلحنَ صلح المجتمع ونهض، وإن فسدنا فسد المجتمع وسقط في الحضيض.

قيل أنّ الجاحظ – رحمه الله تعالى – ذات يوم كان واقفاً امام منزله فمرّت امرأة حسناء فابتسم لها، فالتفتت إليه وقالت: لي إليك حاجة فاصطحبته إلى صائغ وقالت للصائغ: مثل هذا وانصرفت حالاً، فبقي الجاحظ مبهوتاً، فسأل الصائغ ما الأمر؟ فقال: هي طلبت مني أن أنقش صورة شيطان على خاتمٍ فقلت لها: لا أدري كيف أصور الشيطان؟! فذهبت وأتت بك وقالت: مثل هذا، فتوريط المرأة للرجل ليس وليد اللحظة بل على مرّ العصور.