قد يكون من المريح لنا البشر أن نظن أن كل ما نشعر به هي عواطف بسيطة وصافية، فنحن نحب بعض الناس ونكره آخرين ونحترم شخصا وقد نحتقر ونزدري آخر،لكن في الحقيقة المسألة ليست بهذه البساطة!!!

فمن الحقائق الأساسية لطبيعة البشر أن عواطفنا متأرجحة في غالب الأوقات، ونادرا ما تكون المشاعر صافية فمن الوارد أن تشعر بالحب والكره في الوقت نفسه أو تشعر بالإعجاب والحسد معا.

تبدأ هذه الحالة من التأرجح منذ أيام الطفولة حيث يتحدد حينها نمطها الذي يبقى معنا بقية حياتنا، فعندما كنا أطفالا وكانت تهيمن علينا العواطف كان هناك دائما عاطفة أخرى تقبع تحتها فهي مسحة باطنة دائمة التأرجح وعندما أصبحنا بالغين اصبحنا نشعر بذات الطريقة تجاه أزواجنا وأصدقائنا وأهلنا وتزداد حدة ذلك الاختلاط وربما التناقض في المشاعر كلما أزداد ضعفنا وحاجتنا إليهم.

ففي سنوات الطفولة إذا كان والديك يحبانك ويكثران الاهتمام بك فستكون شغوفا بتذكر أيام طفولتك وقد تعتقد أنها أبهى سنوات عمرك، لكنك نسيت أنك كثيرا ما كنت تمتعض بسبب اتكالك على رعايتهما وقد تشعر أحيانا بالاختناق والتوق لفرض إرادتك، وقد ينتابك قلق كبير إذا غابا عنك وبهذا ومع شدة الحب والتعلق تشعر بشيء من الكره والنفور سببه رغبتك في العصيان والتمرد واتخاذ القرارات التي ترضي ذاتك.

أما لو كان أبواك مهملين ولا يهتمان لأمرك كثيرا فستشعر بالاستياء منهما في وقت متأخر من حياتك وقد لا تتذكر إلا فتورهما تجاهك، لكن نسيت أيضا أنك في طفولتك كثيرا ما حاولت التستر على صفاتهما السلبية واوجدت طرقا لتحبهما رغم سوء معاملتهما لك، وبذلك تمتزج مشاعر الغضب والإحباط بمشاعر الحب والحاجة.

دعونا الآن نتساءل لماذا يحصل معنا ذلك؟!

السبب الأساسي لهذا التأرجح في نفس الإنسان أن العواطف القوية الصافية مخيفة، فهي تمثل فقدانا للسيطرة بصورة خاطفة كأنها تلغي إرادتنا فنحاول معادلتها بعواطف مناقضة أو عواطف متضاربة.ومن أسباب التأرجح أيضا أن مزاجاتنا دائمة التغير والتبدل والتداخل أحيانا.

ومهما كان السبب فنحن لا ندرك تأرجحنا ولو ادركناه لا نحبذ إطالة التأمل فيه لأن تأملنا في تعقيد عواطفنا أمر مربك ومحير لذلك نحبذ الاعتماد على تفسيرات بسيطة لما نحن عليه ولما نشعر به، لكنك إذا أردت التقاط التأرجح الكامن فيمكنك ذلك ببذل جهد صادق للتواصل مع ذاتك وفهم مشاعرك.

أكثر مكان يتجلى فيه هذا الجانب الأساسي من طبيعتنا هو علاقتنا بمن يحتلون مراكز القيادة في حياتنا والذين نربطهم في عقلنا الباطن بشخصيات الأبوين.

ويعمل هذا التأرجح تجاه القيادة بطريقة مشابهة فنحن ندرك بغريزتنا الحاجة إلى القيادة فعندما تكون المخططات ضيقة والمصالح متنافسة سواء على صعيد العمل أو المجتمع لا بد من قيادة تقف على مستوى أعلى من المصالح وإلا لن تجد السفينة من يوجهها فنلتمس القائد وإذا لم نجد من يملأ هذا الفراغ نشعر في اللاوعي بشيء من التخبط وربما الهلع.

ولكننا من ناحية أخرى نميل للخوف من هم فوقنا أو حتى ازدراؤهم فأعظم ما يخيف البشر أن يستغل القادة مراكزهم وسلطاتهم لإثراء أنفسهم والتنفذ على الاخرين والتحكم فيهم وهو أمر شائع الحدوث بطبيعة الحال.

كما اننا كائنات ذات ارادة لا نشعر بالارتياح للدونية والاتكالية ونريد تنفيذ ارادتنا الخاصة، وقد نشعر بالحسد تجاه ما يتمتع به القائد من صلاحيات ويزداد الشعور بالغبن لدينا كلما لاحظنا على القيادة علامات من التعسف او التبلد او انعدام الكفاءة، ومهما كانت قوة القادة ومهما اخذنا الاعجاب بهم فتحت سطح الاعجاب يستقر ذلك التأرجح، ولعل ذلك ما يجعل ولاء الناس معروفا بالتذبذب وسرعة الزوال.