الدعاء هو عبادة من أفضل العبادات في الإسلام والتي يحبها الله خالصة له، ويُعرف بأنه روح العبادة لِخضوع الإنسان فيه لربه وخشوعه في الطلب من الله عز وجل الذي تَعَهَّدَ بإجابة الدعاء كما في قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ أدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ، إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتي سَيَدْخُلُون جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر-60).

قد يُوفِّق الله عز وجل بعض التلاميذ في السؤال في مجَالس العِلم وتكون في الإجابة على هذا السؤال الخير الكثير والفائدة القصوى ليس للحاضرين فقط بل للأمة الإسلامية كافة ومنها سؤال التابعي قَتادة بن دَعامة وهو تلميذ الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه في الحديث الذي رواه عبْدِ العزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ حيث قال فيه: سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَسًا: أَيُّ دَعْوَةٍ كانَ يَدْعُو بهَا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَكْثَرَ؟ قالَ أنس: كانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بهَا يقولُ: “اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

وقالَ: وَكانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدَعْوَةٍ دَعَا بهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدُعَاءٍ دَعَا بهَا فِيهِ، والحديث في صحيح مسلم.

ونعود لسؤال قتادة الذي كان سؤالاً ذكياً جداً من طالب عِلْمٍ يرغب في الحصول على الفائدة القصوى من الدعاء الذي كان يواظب عليه المصطفى وخير خلق الله عز وجل عليه أفضل الصلاة والسلام، ويثبت حرص هذا الطالب على هَدْي النبي عليه الصلاة والسلام وخاصة في هذا الدعاء الذي سوف نتناوله بكافة تفاصيله ومعانيه ومنها الشطر الأول من الدعاء وهو “اللَّهُمَّ آتِنا في الدُنيَا حَسَنَةً” ونقف هنا عند لفظة حَسَنَةَ التي أتت مُنَكَّرَة وشاملة لكل خير في الدنيا لا إثم فيه، كالتوحيد والاستقامة والتوفيق للطاعة وأسباب السعادة التي تشمل الرزق الهنيء والحلال والمبارك وبر الوالدين والزوجة الصالحة والذرية التي تَقَرُّ بها العين والعلم النافع والعمل الصالح وحسن المأكل والمشرب والملبس والمأوى وحسن الجوار وكل ما يحتاجه العبد ويحبه من المطالب الدنيوية المباحة.

أما الشطر الثاني من الدعاء “وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً” والذي يعني السلامة من العقوبات في القبر أول منازل الآخرة والموقف يوم القيامة والفوز برضا الله ثم النعيم المقيم في أعلى الجنان، وقال عنها بعض أهل العلم أنها الجنة، وقد سَمَّاهَا الله بالفوز الكبير في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} (البروج-11)، وفي آية أخرى سماها الله عز وجل بالفوز العظيم في قوله {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة-72).

ويختم المصطفى عليه الصلاة والسلام الدعاء بقوله “وَقِنَا عَذابَ النَّار” أي نَجِّنَا وأحْمِنَا يا الله من عذاب النار وما يقرب إليها من الشهوات والأعمال الدنيوية وقد سَمَّاهُ الله عز وجل بالفوز المبين في قوله تعالى {قُلْ إني أخَافُ إنْ عَصَيتُ رَبي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيم * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَومَئذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ، وَذَلِكَ الفُوْزُ المُببِين} (الأنعام 15-16).

لذا فإن هذا الدعاء من جوامع الأدعية الذي ينبغي علينا كمسلمين تَعلُّمُه والحرص على أن يكون جُلَّ دعائنا ونصيبه الأكبر وأن نحرص كل الحرص على تعليمه لأهلنا وأبنائنا، لأنه يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، وجاء فيه سؤال أمرٌ واحد فقط من أمور الدنيا وأمرين عظيمين من أمور الآخرة وجمع بين الرغبة والرهبة حتى يكون العبد دائماً بين الرجاء والخوف من الله، وهو ما مَيَّزَ الإسلام عن عادات الجاهلية التي كان الناس فيها يدعون لمصالحهم الدنيوية فقط خاصة في الحج حيث كانوا يسألون الله الوفرة في الأغنام والإبل والمال وسعة الرزق وطلب الولد وغيرها من أمور الدنيا وملذاتها، وقد ذكرهم الله في قوله تعالى {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (البقرة-200)، ومعنى الخلاق: هو الحظ والنصيب من الخير.

وأختم بأن هذه الدعوة مُطْلَقة لا حَدَّ لها ويمكن الدعاء بها في كل وقت وآن ومع أي دعاء، حتى في الصلاة وتُشرع عند الدعاء للمريض بالشفاء وبين الحجر الأسود والركن اليماني وقد عُنِيَ بها السلف الصالح وقيل عنها: من آتاه الله الإسلام والقرآن وأهلاً ومالاً فقد أوتي في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقال قتادة: في الدنيا عافيةً وفي الآخرة عافيةً.