مدينة الرياض ما قبل السبعينات الهجري كانت محدودة بسور وله أبواب معدودة أو دراويز (مداخل رسمية للمدينة) مثل: دروازة الثميري _ والسويلم _ ودخنة _ وغيرها.

وكانت المساجد داخل السور معدودة والمصلون فيها يعرفون بعضهم، ومهما ينتقل الرجل من جانب إلى آخر من المدينة فبمجرد أن يصلي بمسجد هذا الجانب أو ذاك أوقاتاً بسيطة يصبح هذا الرجل معروفاً إن لم يكن لدى جميع جماعة هذا المسجد فلأكثرهم خاصة (الإمام والمؤذن)، خاصة حينما يدخل ضمن جماعة المسجد ليناد عليه في صلاة الفجر كغيره من جماعة المسجد، وحالما يسكن أو تسكن هذه العائلة هذا المنزل لا تمضي أيام إلا وقد عرف هذا الساكن الجديد بكافة أفراد أسرته، وغالباً ما يبدأ الاتصال بين الجيران بإكرام الجديد منهم بتقديم القهوة والشاي له.

أما اليوم وبعد أن توسعت هذه المدينة، وأصبح الرجل بعد أن كان يستطيع الدوران حول محيطها بدقائق وعلى قدميه فاليوم لا يستطيع الدوران حولها إلا بواسطة مركبة، إذ إنها أصبحت تمتد من كل جانب عشرات الكيلو مترات حتى وصلت مساحتها إلى أكثر من 1500 كم مربع كما نراها اليوم، وبعد أن كانت أحياء المدينة معدودة على الأصابع أصبحت بأعداد قد تصل إلى المئتي حي .

وهذا التوسع أوجد الفرص الكثيرة للسكان للانتقال من حي إلى آخر لعدة أسباب منها محاولة قرب المنزل إلى مكان العمل، والرغبة بالتوسع لكثرة أفراد الأسرة، والرغبة بالسكنى بحي لك فيه أقارب أو معارف وأصدقاء وهكذا، ويترتب على ما سبق استبدال المنزل بآخر، والصلاة بمسجد غيره من مساجد الحي القريبة من السكن؛

ولكن يا ترى حال ما تبدأ الصلاة بهذا المسجد هل سيسهل التعرف عليه، ومن يكون، وأين يعمل، وهنا نقول إن الكثير ممن يتنقلون من حي إلى آخر تجده يصلي بهذا المسجد أو ذاك عدة أشهر وربما سنة دون أن يتعرف على بعض من جماعة المسجد أو يعرف بنفسه خاصة لإمام المسجد ومؤذنه، وربما يأتي من يسأل عنه فلا يجد جواباً غير عبارة (ما نعرفه)، ويصل السؤال إلى الإمام أو المؤذن والجواب نفسه.

فيا ترى هل هذا الفعل والجهل به مناسب، بل ربما لا يعرفه جاره إلا بعد حين وبالصدفة لا بالعنوة، وغالباً ما يبدأ التعرف من قبل النساء قبل الرجال، ولو قلت إنني مؤذن وهنا رجل وابنه يصليان معنا منذ أكثر من سنة لا نعرف عنهما أي شيء، وآخر مكث ستة أشهر يصلي معنا دون أن نعرف اسمه، وأين يسكن، وأين يعمل، هنا أقول هذا التغافل أو عدم المبالاة بالتعرف عليه غير مقبول.

وكان من المفروض أن الرجل حالما يصلي بهذا المسجد أن يسلم على الإمام والمؤذن ويعرفهما بنفسه وسكنه وعمله، ويفضل التعرف على غيرهما من جماعة المسجد، وهذا الفعل من أهم عناصر العلاقات الاجتماعية وترابط أفراد المجتمع.

ومن مساوئ عدم التعرف على الشخص والتي مرت عليّ أنه حينما سئلت عن شاب للزواج قلت لا أعرفه، ولا أعرف أنه كان ساكن بقرب هذا المسجد، فاعتبر السائل أن المسؤول عنه لا يصلي مع الجماعة، فلم يكتب لهذا الشاب نصيب، ولما علم بالموضوع أتى إليّ مكسور الخاطر لحرمانه من الخطوبة ويلومني، فأخبرته بأني فعلاً لم أعرف أنه ساكن بهذا الحي، ولم أعرف أنه يصلي مع جماعة مسجدنا، وبهذا تجده يؤنب نفسه بنفسه، وأمثال ذلك كثير.

الحاصل أنه من الواجب على الساكن الجديد أن يعرف بنفسه الإمام والمؤذن على الأقل حالما يستقر في سكنه لتلافي ما لا يرضيه، وبالله التوفيق