أن الرؤية العلمية لحقيقة أو ظاهرة علمية تخرج إلى السطح تجعل منها اثر واضح امام المجتمع ويصبح هذا الاثر محل تفكير وتأمل وبحث عن الحقائق لاشباع الفضول العلمي والبشري بما يمكن عن ما يدل عن حقيقة الظاهرة او المشكلة المدروسة وما نحن في صدده هو “التلوث الاجتماعي” وربما من وجهي نظري هو مصطلح جديد وكذلك ربما غير متداول في الاوساط العلمية في المجال الاجتماعي لوجود مصطلح المشكلات الاجتماعية التي تتطرح كمصطلح عام وشامل لكل مشكلة أو ظاهرة تقف عائقاً امام تقدم المجتمع وتعمل على احداث تخلالات في نسيج المجتمع سواء كانت نسبية أو كلية ولربما نجعل مصطلح التلوث الاجتماعي كمصطلح عام وشامل في العموم لكل ظاهرة او مشكلة تعيق تقدم المجتمع , لهذا فأن مصطلح المشكلات الاجتماعية يناقش المشكلة بالمجمل مع استفاضة في الوحدات الصغيرة للمشكلات الاجتماعية وتفصيلاتها ومناقشتها منهجياً وعلمياً في اطار البناء المعرفي والاستناد العلمي على التراكم المعرفي للمشكلة او الظاهرة الاجتماعية , وهنا اجتهد في هذا السياق العلمي لتعريف التلوث الاجتماعي بأنه: التدخل البشري الذي يحمل ملوثات اجتماعية لخلق تغييرات ليست محمودة في النظام الاجتماعي مما تسبب اختلالات واثر يربك ويخل بالتوزان الاجتماعي في نسيج المجتمع.

أن التحليل العلمي والاجرائي لهذا المصطلح يشد العقل والتفكير العلمي نحو دراسة متعمقة لمفهوم تنظيري شامل ومعمم نحو وضع كل ما يعتري المجتمع من ظواهر ومشكلات ومعوقات وتغيرات وسلوكيات فردية أو جماعية أو أحداث اجتماعية والتي سوف تخضع تحت سقف هذا التعريف العلمي برغم أن هناك بعض من الصيغ العلمية لبعض المشكلات والظواهر الاجتماعية التي ربما يخلو منها التعريف ولكنها في العموم تندرج في اطار هذا التعريف وحتى لو انها خلت خلواً تاماً من مفردات التلوث الاجتماعي في مجملها ولكنه تحتوي عليه تفصيلياً , ومايجعل شمولية التلوث الاجتماعي لكل ما يمر به المجتمع من وقائع ومشكلات وظواهر هو وحدات هذا التلوث فنشؤ هذه الوحدات الملوثة في المجتمع والتي بدورها تدخل في النظام الاجتماعي لأي مجتمع هو نشؤ لعملية التلوث الاجتماعي فهذه الوحدات الملوثة تعمل من خلال عمل تغييرات غير مرغوب فيها داخل التقاليد والعادات والاعراف الاجتماعية والنظام الاجتماعي بشكل عام على ان سبب دخول هذه الواحدات الملوثة هو صناعة بشرية في الاغلب الاحيان فنقل ثقافة اجتماعية من مكان الى مكان آخر من خلال البشر وادخال تحديث في نظام الحياة الاجتماعية وتغيير نظام اجتماعي إلى نظام اجتماعي أخر وظهور سلوك بشري جديد يصتدم بثقافة السائدة وتكلس جماعة انسانية حول ثقافتهم لفترات زمنية طويلة لموجه ثقافة ما كل هذا مثالاً حياً لمفهوم التلوث الاجتماعي الذي يدخل المجتمعات دون أذن مسبق ويجعل هناك تحولات في النظام الاجتماعي يخلق في مجمله انفلات وتمرد على الثقافة والاعراف الاجتماعية في المجتمع .

أن مفهوم التلوث الاجتماعي لا يمكن صياغته في اطار واحد او تحت مسمي واحد فهو مصطلح شمولي يعم كل مايطرأ على المجتمع من معقدات اجتماعية تعيق المجتمع نحو حريته في العيش وفقاً لثقافته السائدة ولكن في المقابل يمكن ابطال عمل وحدات الملوثات الاجتماعية برغم من كونها درجت في نسق الثقافة والاعراف الاجتماعية من خلال تحييد هذه الملوثات من هذا النسق الثقافي في إماتتها من المشاهدة في الحياة اليومية ومجابهتها في شتى الوسائل لعزلها في جماعة معينة تهوي زرع هذه الملوثات في النسق الثقافي أو تسعى لتبنى نشر هذه الملوثات وعندما ينجح المجتمع في عزل هذه الملوثات في جماعة محددة تعيش وسط المجتمع يمكن مع الوقت جعلها في حسبان السلوك الميت الذي لا يضر ولا ينفع , وفي هذا السياق آرى تقسيم مصطلح التلوث الاجتماعي إلي :

– الظاهرة الاجتماعية : وهي سلوك بشري يبدأ ضعيفاً ثم يتكون بنفسه مع الزمن ليشكل ظهوراً واضحاً في النسق الثقافي للمجتمع مما يسبب في خلق عدم توزان اجتماعي في نسق الثقافة لدخول هذا السلوك المصتدم معها في جزئية من مفرداتها .

– المشكلة الاجتماعية : كل ما يطرأ على المجتمع من تغيير في النسق الاجتماعي وتعمل على إخلال في وظائف ومهام النسق الاجتماعي وتتمثل في شكل سلوكيات او انماط غير مألوفه في المجتمع وتعمل على وجود انحرافات وسلوكيات خاطئة تعيق تقدم المجتمع كا لمخدرات والتدخين والعنف والتفكك الأسري .

– السلوكيات والاحداث الاجتماعية : واعرفها بانها السلوكيات البسيطة التي تحدث بشكل يومي في الحياة الاجتماعية وتتمثل في سلوكيات الضرب والاعتداء وسلوكيات المزح الغير اخلاقي وعلى ذلك يقاس كل سلوك بشري يومي يحدث في المجتمع أما الاحداث الاجتماعية فهي تتمثل في تغيير نمط المعيشة او العادات والاعراف الاجتماعية في جماعة ما كاتغيير نمط السلوك الاستهلاكي في المجتمع بعد ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية .

– التغيرات الاجتماعية : وهي دراسة المجتمع من شقين تغيرات اجتماعية بعيدة المدى وتشمل انتقال حياة المجتمع من نمط القديم إلى نمط حديث وقد تحدث هذه التغيرات كل ثلاثون عاماً وتغيرات اجتماعية قصيرة المدى وهي تشمل تغيير في الأنظمة والقوانين الاجتماعية او تغيير في نمط الحياة الاجتماعية على مستوى البسيط ويكون تغيير غير ملاحظ لانه يحدث بشكل نسبي .

لهذا فإن التلوث الاجتماعي يلعب دوراَ مهماًَ في أعاقة الفرد والاسرة والمجتمع كوحدة كلية من إداء الدور المنوط بهم بشكل جيد ويعمل على خلق صراع يؤدي إلى عدم التكيف والقبول والرضى بالحياة الاجتماعية وهذا يترتب عليه أثار نفسية مصاحبة لهذا الصراع كالملل والتذمر من تغير الحياة عن ما كانت عليه في ذهن الانسان , أن التصدى لهذا التلوث الاجتماعي يكمن في عملية متكاملة للحفاظ على النسق الاجتماعي من خلال عدم تغلغل التلوث الاجتماعي في عمق هذا النسق وانما يكون هذا التلوث على سطح النسق الاجتماعي حتى يسهل معالجته والتخلص منه وفقاً لإمكانيات مادية ومعنوية غير مكلفة.