أيها المُتقاعد ، حرفياً أصبحت المسيطر على وضعك ومَلِك على نفسك ، تمتلك وقتك ولا يشاركك فيه أحد ، انتهى وقت الدخول ببصمة اليد والخروج بمثلها والحركة في حدود ضيقة ، تمتلك قرار نفسك وحريّة فكرك فلا قيود وظيفية ولا قرارات وقوانين تتم توجيهك طوعاً أو قسراً ، غير مأخوذ برأيك أو رغباتك أغلب الوقت ؛ حيث تسير بشكل مُمنهج لغرض معين وهدف محدد.

يقول الأديب عباس محمود العقاد:

“الوظيفة عبودية القرن العشرين ” ، العقاد يرى أن الموظف كالرقيق ، أسير أنظمة وقوانين وأوراق وأختام وساعات عمل محددة تقيد الحريّة ، لا مفر منها ولا مناص سوى مرحلة التقاعد.

أَنْتَ مَلِكٌ ، انتهى زمن إثقالك بالأعمال الفردية والمعاملات الورقية والشروع في مطالبتك بالإنجاز السريع الكثيف لرفع مؤشر العمل و مؤشرك الخاص أمام مديرك كما انتهى زمن إقحامك في فريق عملٍ موحدٍ لتنفيذ مشروع ما ، بغض النظر عن تجانس المجموعة داخل الفريق الواحد من عدمه ، و بغض النظر هل هذا الفريق يتناسب معك أم لا..؟!

وهل أنت مقتنع بالمشروع أم مجبر على العمل به..؟!

أَنْتَ مَلِكٌ ، حينما امتلكت راحة بالك و رواق فكرك ، فلا يُزاحمك عميل أو يتطفل عليك زميل ولا يزعجك رأي مدير في طريقة عملك أو جودة إنتاجك.

أَنْتَ مَلِكٌ حينما تتحرر من قيود وسلاسل المهنة التي تمتهنها ، فلا تبحث عن إجازة عرضيّة ولا مرضيّة تدفعها لمقر عملك وأنت في أشد حالات المرض والتعب والانزعاج والإرهاق أو ظروف خاصة وسفر مفاجئ لطارئ ما.

استمتع يا مَلِك في مرحلة التقاعد بوقتك الخاص ووقتك مع عائلتك وأصدقائك وأحبابك ، استمتع بسفرك و تدلل في مرضك ، واجعل كل شيء يأخذ مجراه بشكل طبيعي غير محكوم بقيود وقت العمل.

أَنْتَ مَلِكٌ ، حين تنام قرير العين هانئ الروح غير منتظر منبهاً يعزف على مسمعيك سِيمْفُونِيَّة العمل كل صباح مُقلقاً منامك.

أنْتَ مَلِكٌ ، لستَ مُجبراً على المجاملات والطبطبة في مجال العمل كما أنك لستَ مُجبراً على تمالك أعصابك وضبط نفسك عند المواقف المُزعجة والاحتكاكات الواردة داخل العمل.

أَنْتَ مَلِكٌ ، استمتع بطعامك وصلاتك ودخولك وخروجك ، فقد تحررت من قيود الوقت المحسوب عليك ، الأكل بوقت محدد والصلاة في وقت معين ، ولا راحة حتى تُنجز ما عليك.

يقول الكاتب جبران خليل جبران:

” ثَمّة مسافة بين ما يتخيّل المرء و ما يحقّقه لا يقطعها غير شوقه ” .

فما عليك سوى أن تتخيّل شكل حياتك مع مرحلة التقاعد و تخطط كيف لك أن تعيشها بسعادة عبر عقليّة مختلفة وروح مُتجددة، وتحقق ذلك بكل شوق.

أنت الآن يا متقاعد فعلياً (مَلِك).. اِرفع شعار وردد دائماً (متقاعد ، لا تكلمني).