امرأة شاحبة الوجه ومتهالكة القوام التقيت بها زمان عندما كنت صغيراً كانت تجلس هناك وحيدة تحت البنايات القديمة متلحفة عباءتها في خجل ، تمكث طويلاً بجانب زوايا ذاك البيت المهجور وتحدق في “جدرانه الطين” و”أبوابه الخشبية” و”نوافذه المفتوحة” وكأنها تنتظر شيئا ما ، شيئاً بداخله قد رحل في ظلام “غرفة وفناءه المتساقط” .

حيرتني تلك العجوز أصبحت أراقبها من بعيد لقد اشغلتني بحرصها الشديد وبقائها لفترات صامتة لا تمل ولا تتعب رغم حرارة الشمس فنفسها الطويل وصبرها الجميل جعلني أحاول أن أقترب منها بحذر لعل أجد تفسيراً لهذا الجلوس ولهذا الانتظار المرير.

فقد أقبل الليل ومازالت في مكانها تهمهم ؛ قررت أن أعرف حكايتها وقصتها ولكن كلما تقدمت إليها شعرت أن هناك ضوء يفزعني من داخل ذلك البيت المهجور ، أنظر إليها تارة وتارة إليه فبدأت تقف وتلملم أغراضها وكأنها نوت الرحيل أو خائفة من اقترابي إليها ، سألتها بصوت هادىء (أمي) ولم ترد وعدت بمناداتها (خالتي) ولم تنظر نحوي ثم اقتربت منها بخطوات ثقيلة يملؤها الخوف وفي لحظه اختفى ذلك الضوء ففزعت وكأنها غاضبة مني فبدأت تبتعد ولم استطيع اكتشاف هذا اللغز ،، حتى أن كبرت وبعد أن هجرت هذه البلدة وبعدما رجعت إليها ووقفت في نفس المكان واكتشفت أنها كانت امرأه طيبة جدا – هجروها ونسوها أولادها وأحفادها كما قد نساها الزمن واليوم أصبحت عروسة ومن أجمل نساء الكون بعد أن كانت شاحبة الوجه الآن شامخة الوجنتين بأهلها الحساوية هي (الأحساء بعد عيني) لؤلؤة أضاء صيتها الصامت وجلست كالأميرة تعتز في عرش نخيلها وتغتسل من مياهها بطعم العسل الصافي عندما يتدفق على قدح ترابها الذهبي فيمتزج طيبها بأنفاس أهلها الدافئه وخطوات تلامس وتعانق صكيكها ودهاليزها بعبق الماضي والحاضر.