ليلة القدر ليلة مباركة ، وورد في سبَبِ تَسمِيَتِها بليلةِ القَدرِ عِدَّةُ أقوالٍ؛ أهمها: أنَّها سُمِّيَتْ بلَيلةِ القَدرِ، مِنَ القَدْرِ وهو الشَّرفُ. وقيل: لأنَّه يُقَدَّرُ فيها ما يكون في تلك السَّنَة. وقيل: لأنَّ للقيامِ فيها قدْرًا عظيمًا.
وفضائل ليلة القدر عظيمة وكثيرة منها:
أن الله أُنزِلَ فيها القُرآنُ الكريم قال تعالى: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1]
وأن اللهُ سبحانه وتعالى يقدر فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ). [الدخان: 4-5].
ففي تلك الليلةِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ ، ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَدرِ هذه
وأنَّها ليلةٌ مُبارَكة قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان: 3].
وأن العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). [القدر: 3].
فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ.
وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ.
وأنه ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ عليهم السلام بالخَيرِ والبَرَكةِ قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ). [القدر: 4].
فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
وأن ليلةُ القَدرِ سَلامٌ قال تعالى: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). [القدر: 5].
فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كلها.
ويُشرَعُ في هذه الليلةِ الشَّريفةِ قيامُ لَيلِها بالصَّلاةِ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه).
ويُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ الاعتكافُ؛ فقد كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (من كان اعتكَفَ معي، فلْيعتكِفِ العَشرَ الأواخِرَ، وقد أُريتُ هذه الليلةَ ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبيحَتِها فالتَمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ، والتَمِسوها في كُلِّ وِترٍ ).
ويُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ تبارك وتعالى ، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي).
ويشرع العَمَلُ الصَّالِحُ قال الله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). [القدر: 3].
قال كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: أي: العَمَلُ فيها خيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدْرِ؛ ففي تلك الليلةِ يُقسَمُ الخيرُ الكثيرُ الذي لا يُوجَدُ مِثلُه في ألفِ شَهرٍ.
فاغتنموا هذه الليلة المباركة واكثروا فيها من الأعمال الصالحة التي تقربكم من رب الأرض والسماوات وترفع درجاتكم في أعالي الجنات.