الاعداد السابقة للصحيفة
الاربعاء8 مايو

وداعاً شاوشانك … !!!

منذ 10 سنة
1
3645

البعضُ يقتله رُهابُ الأماكن المغلقة الضيقة , و البعض الآخرُ تقتله الغرف المظلمة فلا يطيق مُكثاً في العتمة . لكن هل ثمةَ ما هو أشد ضيقاً و كرباً من زنزانة يقطنها مظلومٌ يعاني رُهابَ الأماكنِ المغلقة ؟؟

نعم , في حياتنا القصيرة التي عشناها و عاشاها معنا الآخرون ما هو أشد حرجاً و ضيقاً من الحياة في زنزانة.

الأشد طبعاً أن تكون محبوساً في نفسك, في أفكارك التي تحاصرك بسوداويتها , في هواجسك التي تقض مضجعك بضلالاتها , في ظنونك التي تطرد كل محب حولك بسوئها, و في تشاؤمك الذي يقتل كل أمل يغرسه التفاؤل في حياتك.

أن تعيش في الأسوأ فتفقد الثقة برحمة الله وتيأس من روح الله , حينها تكون حتماً قد حكمت على حياتك بالحبس و على روحك بالشقاء الأبدي و البؤس السرمدي.

و رائعة الروائي الأميركي ” ستيفن كينغ ” “وداعاً شاوشانك ” كُتبت لتجلي لنا هذه الحقيقة .

تحكي الرواية عن ” أندي دوفرين ” الشاب المصرفي المثقف الذي يُحكم عليه ظلماً بفترتي حبس في سجن قلعة شاوشانك سيء السمعة بتهمة قتل زوجته .

في حياة السجن يعلو ” أندي “على الإحساس بالظلم و يتسامى عن مشاعر اليأس و الخيبة و يتحد مع الأمل متناسياً يومه الحزين, مبتسما لغده الجميل الذي يؤمله.

يتعرض “أندي” للتحرش و الضرب من إحدى عصابات السجن بسبب وسامته لكنه لا يستسلم ولا يلين بل يستغل خبرته المصرفية لخدمة الضباط و نظير خدماته يتخلص من العصابة, و يحصل على معاملة خاصة.
يخلق أندي لنفسه حياةً جديدةً فيتعرفُ على السجناء و يكون معهم الصداقات و يسعي لتثقيفهم , و يتحدث مع السجانين و يساعد في حل مشكلاتهم المالية والضرائبية بنصائحه .

يستعير الكتب و يسمع الموسيقى و يلعب و يلهو ويتخيل نفسه غداً في شاطئ حالم اسمه زيهاوتنجو في المكسيك .

صحيحٌ , أن الجسد محبوس و لكن أحداً لا يستطيع حبس الأرواح و الأفكار و الأحلام, بل على العكس تماماً فقد يكون الحبس خيراً من الحرية بلا مبدأ و لا غاية أو طموح و عندئذ يكون الإنسان سجين هواجسه و ظنونه.

ستيفن كينغ علم هذه المسلمة فخلق في روايته شخصيةً لسجين اسمه “بروكس” قضى خمسين عاما في الحبس وحين أُطلق سراحه لم يستطع العيش في الحرية !!

لماذا , هل لأنه كبر على الحياة و شاخ ؟؟

كلا , بل لأنه كان كوال خمسين عاماً سجيناً لأفكاره وتصوراته , فكتب لأصدقائه في الحبس أنه سينتحر لأن الحياة خارج السجن لا تروقه , فينقش اسمه في الحجرة على خشبة السقف ثم يتدلى منها مشنوقاً.

وهنا يكمن الفرق الجوهري بين “بروكس” و “أندي” الذي تمكن بفضل تفاؤله و ثقافته و ذكائه من الإطاحة بمأمور السجن و ضباطه الفاسدين من خلال توثيق فسادهم المالي و الإداري , ليتم القبض عليهم في نهاية الرواية و يتمكن هو من الخروج مودعاً شاوشانك .

فرقٌ بسيط بين بروكس و أندي ؛ لكنه فارقٌ يصنع الحياة حقاً, إنه التشبث بالأمل مهما كان الواقع مؤلماً وأصبح كل شيء حولك قاتماً , غارقاً في الإحباط ويبعث على اليأس و الاستسلام.

تحوي الروايةُ العديدَ من المفارقاتِ و المفاجآتِ والمواقف الإنسانية المؤثرة التي تنثالُ من شخصيات السجن العديدة التي يحمل كلٌ منها تجربته في الحياة ونظرته لها.

و لجمال و تشويق أحداث هذه الرواية الرائقةِ الرائعةِ فقد حورت إلى فيلم سينمائي شهير عنوانه :

” The Shawshank Redemption ”

ما يميزه أنه بعيد عن العنف و والإثارة المفتعلةِ في أفلام السجون , حيث يعتبُر كثير من النقاد السينمائيين أن فيلم ” وداعاً شاوشانك ” هو أفضل فيلم في تاريخ السينما .

ربما وضعوه في الخانة الأولى لأن هدف الرواية يريد منا أن نقول ليأسنا و إحباطنا و سوداويتنا : ” وداعاً شاوشانك “.

و ربما اختاروه لأن للفلم رسالةً تقول لنا : إن السجن الحقيقي هو سجن الأفكار و الظنون و المخاوف التي لابد أن نقول لها : وداعاً شاوشانك .

في تراثنا نحن المسلمين شخصياتٍ ملهمة تفوق بكثير ما كتبه “ستيفن كينغ” عن “أندي” بل لا توجدُ ثمة مقارنة ألبتة .

شخصيات كيوسف و موسى و أيوب و يونس عليهم السلام ,و بلال و مصعب و سلمان و أبي جندل وأبي سلمة و أبي ذر.

شخصيات حلقت حقيقةً لا خيالاً و واقعاً لا محالاً في فضاء التفاؤل و الأمل و الثبات و الصبر و العزيمة حتى حققت بإذن الله ما تريد.

لم يثن عزمها محنة و لا كربة و لم توقفها في سيرها عقبة و لا زادها مكر أعدائها إلا سمواً و إصراراً و رفعة لكن المهم الآن أن نركض بعيدا عن كل أفكارنا و ظنونا ومخاوفنا و تشاؤمنا ثم نقفُ بثباتٍ أمامَ من يريد سَجْنَ طموحاتنا و قتل آمالنا و نصرخ في وجوههم قائلين : وداعاً شاوشانك .

التعليقات

ح
ح ـدك ـهنا! عدد التعليقات : 52 منذ 10 سنة

ليس كل من قيد قيد السجن القيد هوا القيد العالم الخارجي أيضا

ننتظر جديدك

اترك تعليقاً